ابن المقفع فارسي الأصل، والفرس شعب آري عريق في الملك والحضارة والعلم والحكمة والأدب وله دين وأساطير، واسم نبيهم زرادشت واسم كتابهم أفستا، وتعاليم زرادشت مؤسسة على مبدأين متقابلين؛ وهما: هرمز أو الله مبدأ الخير، وأهرمن مبدأ الشر، وزروان أكيرين أي الوقت غير المحدود، وهو فوق المعبودين السابقين في القدرة والمنزلة، وشريعته جارية على مبادئ حياة الأفراد وشئونهم من حيث الحقوق والواجبات، ولقد دعا إلى عبادة النار ونبه إلى ثواب الآخرة وعقابها.
ومن أديان الفرس أيضا دين ماني، القائل بأن مبدأ العالم كونان، أحدهما نور والآخر ظلمة، وكذلك دين مزدك القائل بتناول اللذات والانعكاف على بلوغ الشهوات وترك الاستبداد والمشاركة في الحرم والأهل وفعل الخير وترك القتل وإدخال الآلام على النفوس.
وكان لملوكهم عناية بالغة في العلم والأدب كالضحاك وأردشير بن بابك وابنه سابور، ولقد ترجمت فلسفة اليونان وحكمة الهنود إلى الفارسية، فضلا عما ألفه الفرس أنفسهم والعرب يقرون لهم بالعلم، حتى إن النبي عليه السلام قال: «لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس.»
أما كتب أدبهم وحكمتهم، فالفضل في بقائها أو التعريف بها للعرب ومن كتب بالعربية من الذين ترجموها أو أشاروا إليها؛ لأن الأصول الفارسية درست، ومن أجلها كتاب جاويذان خرد الذي يقال إنه أقدم كتاب في العالم، وضعه الملك أوشهنج ونقله من اللسان القديم إلى اللسان الفارسي كنجور بن إسفنديار، ونقله إلى العربية الحسن بن سهل، وكتاب هزار أفسان ومعناه ألف خرافة وهو أصل ألف ليلة وليلة، وكتاب روزية اليتيم، وكتاب خرافة ونزهة، وكتاب الدب والثعلب، وكتاب مسك زنانة وشاه زنان، وكتاب نمرود ملك بابل، وكتاب رستم وإسفنديار، وكتاب بهرام شوس، وكتاب شهريزاد مع أبرويز، وكتاب الكارنامج في سيرة أنوشروان، وكتاب التاج وما تفاءلت به ملوكهم، وكتاب دارا والصنم المذهب، وكتاب خداي نامه، وكتاب بهرام ونرسي، وكتاب أنوشروان، وكتاب عهد أردشير، وغير ذلك من الكتب التي لا محل لاستقصائها هنا، هذا فضلا عن الكتب التي ترجمها ابن المقفع مما لم يرد ذكره الآن، والتي سيأتي الكلام عليها فيما بعد.
ولكن من الغريب أن أمة هذا مبلغها في الملك والحضارة والعلم والأدب لم يحفظ لها التاريخ شيئا من الشعر قبل الإسلام يعتد به.
واللغة الفارسية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الفارسية القديمة، وعصرها من سنة 550 إلى سنة 330 قبل الميلاد. والفهلوية وقد أزهرت في عصر الساسانيين، وعنها ترجمت الكتب إلى العربية، وقد ظلت حية إلى ما بعد الفتح العربي بأكثر من قرن. والفارسية العصرية وعصرها من بعد الفتح العربي إلى العصر الحاضر، وهي التي دخل عليها كثير من الكلمات بالعربية بعد أن دان أكثر الفرس بالإسلام.
على أن الفرس وإن دانوا بالإسلام فما زالت نفوسهم تطمح إلى الاستقلال عن العرب، قال أحد غلاتهم:
أنا ابن المكارم من آل جم
وطالب إرث ملوك العجم
فقل لبني هاشم كلهم
Page inconnue