على العاقل - ما لم يكن مغلوبا على نفسه - أن لا يشغله شغل عن أربع ساعات: ساعة يرفع فيها حاجته إلى ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه وثقاته الذين يصدقونه عن عيوبه وينصحونه في أمره، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذتها مما يحل ويجمل، فإن هذه الساعة عون على الساعات الأخر، وإن استجمام القلوب وتوديعها زيادة قوة لها وفضل بلغة. (2)
وعلى العاقل أن لا يكون راغبا إلا في إحدى ثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم. (3)
أحق الناس بالسلطان أهل المعرفة، وأحقهم بالتدبير العلماء، وأحقهم بالفضل أعودهم على الناس بفضله، وأحقهم بالعلم أحسنهم تأديبا، وأحقهم بالغنى أهل الجود، وأقربهم إلى الله أنفذهم في الحق علما وأكملهم به عملا، وأحكمهم أبعدهم من الشك في الله، وأصوبهم رجاء أوثقهم بالله، وأشدهم انتفاعا بعلمه أبعدهم من الأذى، وأرضاهم في الناس أفشاهم معروفا، وأقواهم أحسنهم معونة، وأشجعهم أشدهم على الشيطان، وأفلجهم بحجة أغلبهم للشهوة والحرص، وآخذهم بالرأي أتركهم للهوى، وأحقهم بالمودة أشدهم لنفسه حبا، وأجودهم أصوبهم بالعطية موضعا، وأطولهم راحة أحسنهم للأمور احتمالا، وأقلهم دهشا أرحبهم ذراعا، وأوسعهم غنى أقنعهم بما أوتي، وأخفضهم عيشا أبعدهم من الإفراط، وأظهرهم جمالا أظهرهم حصافة، وآمنهم في الناس آكلهم نابا ومخلبا، وأثبتهم شهادة عليهم أنطقهم عنهم، وأعدلهم فيهم أدومهم مسالمة لهم، وأحقهم بالنعم أشكرهم لما أوتي منها. (4)
أفضل ما يورث الآباء الأبناء الثناء الحسن والأدب النافع والإخوان الصالحون. (5)
إذا هممت بخير فبادر هواك لا يغلبك، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تظفر، فإن ما مضى من الأيام والساعات على ذلك هو الغنم. (6)
لا يمنعك صغر شأن امرئ من اجتناء ما رأيت من رأيه صوابا والاصطفاء لما رأيت من أخلاقه كريما، فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهان لهوان غائصها الذي استخرجها. (7)
أعدل السير أن تقيس الناس بنفسك، فلا تأتي إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك. (8)
ومن أحسن ذوي العقول عقلا من أحسن تقدير أمر معاشه ومعاده تقديرا لا يفسد عليه واحدا منهما نفاد الآخر، فإن أعياه ذلك رفض الأدنى وآثر عليه الأعظم. (9)
وكان يقال الرجال أربعة: اثنان تختبر ما عندهما بالتجربة، واثنان قد كفيت أمر تجربتهما.
فأما اللذان تحتاج إلى تجربتهما فإن أحدهما بر كان مع أبرار، والآخر فاجر كان مع فجار، فإنك لا تدري لعل البر منهما إذا خالط الفجار أن يتبدل فيصير فاجرا، ولعل الفاجر منهما إذا خالط الأبرار أن يتبدل برا، فيتبدل البر فاجرا والفاجر برا.
Page inconnue