Le Fils de l'Homme : La Vie d'un Prophète
ابن الإنسان: حياة نبي
Genres
يبدو بحر الجليل من منحدرات الجبال أخضر رائقا لامعا بعد الظهر، وتمتد كفر ناحوم على فرضة واقعة بين الماء والجبل الواقي لها من الريح، وترى من مرتفعات الشمال عدة مدن وقرى في تلك الفرضة، وتسمى القرية القائمة عن اليمين، فتبعد ميلين، فتبدو بيضاء ساطعة ذات برج بطبرية التي بنيت حديثا؛ حيث يملك هيرودس أنتيباس أمير الإيالة فيتملق القيصر الروماني ما ثبت ملكه تبعا لهوى هذا القيصر ، ويصب نهر الأردن في شمال تلك البحيرة، ويستطيع يسوع أن يتمثل، عند عدم الرؤية، المكان الذي يترك فيه هذا النهر تلك البحيرة ليجري إلى الجنوب حتى يصب في البحر الميت.
ومن المحتمل أن ذكر يسوع في تلك الساعة مصب النهر الجنوبي، والرجل الذي عمده، وصوت الأب العذب الذي أيقظه من سبات السنين، ولا يفكر يسوع في هيرودس ما ابتعد عنه ابتعاده عن القيصر الروماني طيباريوس، المقيم بجزيرة في بحر غير قريب، وابتعاده عن جميع دول العالم الزائلة، ويفكر يسوع في الطيور التي ترفرف حوله، ومنها القمر
4
التي يعرفها في بلده، فتعرفه أيضا؛ لخروجها من بين البردي ودنوها منه وقفزها على الإناء، ويظل البجع
5
الطويل بعيدا منه؛ لحذره من الإنسان أكثر من حذر القمر، والمسافر يسوع إذا ما أزاح الصدف وحك الأرض بطرف صدفة كبيرة وصل إلى صخر أسود نجم عن بركان ثار هنالك منذ سنين قليلة دافنا تحته مئات الآدميين.
ونظر يسوع إلى تلك الأمور غير نظر الآخرين إليها؛ فهو يحس ما تنطوي عليه من المعاني كما يحس الشاعر، وهو يجعل دائرة تأملات من الجبال والصخور والنهر والقصر والزلزلة والبركان والسفوح الخصبة التي يستوي العنب والبطيخ فيها على السوق منذ شهر أبريل. ويبدو وراء يسوع جبل حرمون ذو الصخور والقعور والتخاريم والثلوج نذيرا، وتمتد البحيرة على سفح ذلك الجبل المتوعد رائعة روعة الحياة، فيعرف يسوع السر في اختيار الرب لها من بين بحيرات إسرائيل السبع.
ثم يبدأ الليل بإرخاء سدوله، فيبصر يسوع السائح زوارق كثيرة تخرج من المراسي لرفع الشباك، ما اقترب السمك من سطح الماء عند الشفق على الخصوص، ويعد بزوغ النجم الأول من الشرق علامة انتهاء السبت وإباحة العودة إلى العمل، فيتنادى الصيادون من القوارب، ويجذبون الشباك ويشولونها ويقلبونها، ويرمون الأسماك في المراكب وهي تنتفض، ثم يجدف الصيادون بالمجاديف مسرعين إلى الشاطئ ما كان الليل يحل سريعا في ذلك العرض.
أقبل صيادان على يسوع الغريب فعرفا فيه الساحر الواعظ في ذلك المعبد صباحا ، وعرف يسوع أحدهما أندراوس الذي وجده تلميذا ليوحنا المعمدان عبر الأردن، فعرفه أندراوس هذا بأخيه سمعان، فتصافحوا جميعهم بحرارة، وما كان هؤلاء ليشعروا بما سيسفر عنه هذا اللقاء، وما كان يسوع ليعلم أنه سيسمي سمعان هذا ببطرس ذات يوم.
ثم أقبل صيادان آخران على صانع المعجزات يسوع راغبين في معرفته أكثر مما في الماضي، وكان اسم هذين الصيادين الأخوين يعقوب ويوحنا، ثم جاء آخرون وبدوا كلهم واثقين بيسوع الغريب مطمئنين إليه، ولم تنشأ ثقتهم به عن طرده الشيطان من رجل ممسوس فقط. ما كان بين الفريسيين من يفعلون مثل ذلك، بل نشأت أيضا عن خروج ما وعظ به في المعبد من قلبه، ونفوذه في قلوبهم، وساد الظلام فكان لا بد من أن يأوي أولئك إلى بيوتهم، فدعا سمعان يسوع إلى بيته، وطلب إليه أن يتعشى من مائدته، وما عتم نصف أهل المدينة الصغيرة أن تجمع أمام الباب، فالوقت وقت راحة، وود الجميع رؤية ذلك الغريب الذي استطاع أن يشفي ذلك المريض.
Page inconnue