Le Fils de l'Homme : La Vie d'un Prophète
ابن الإنسان: حياة نبي
Genres
والصدوقيون هؤلاء شرذمة قليلون من الأشراف الأقوياء الذين لم يريدوا أن يكدروا صفو حياتهم الناعمة، الناشئة عن امتيازاتهم، ويعرضوها للخطر بأن يثوروا على الأجنبي الغالب، وبأن يغالوا في القيام بالشعائر الدينية. ويرى الصدوقيون اتباع شريعة موسى، لا ما طرأ عليها من التفاسير التي لم يوح بها إلى هذا النبي. ومما قالوه: أين نص تلك الشريعة على حظر جمع الأموال، والأكل بآنية من فضة، وتحريم ما أحل الله من أطايب النعم؟ أجل، إن الرومان من الأرجاس، ولكن الأموال التي يجلبونها من الغرب غير محرمة علينا ما صمنا في الأيام المقررة؛ فهذه أمور لا يقدر العوام على إدراكها، وليس في تفهمهم لها من فائدة، فعدوهم بما حكى عنه الأنبياء من الأجر الدنيوي كطول الحياة، وعظوهم بصدق العيش واجتناب الآثام غير خائفين من آخرة أو آملين فيها، واذكروا لهم أن خلودهم بأبنائهم، وحرضوهم على كثرة النسل ليبارك لهم.
يسوع يعلم.
وبجانب هؤلاء الأغنياء المترفين الجالسين في تلك المحكمة العليا، والبعيدين من التعصب في المسائل الروحية، والمتشددين في المسائل الدنيوية ، يجلس أعداؤهم الفريسيون. فالفريسيون هؤلاء أناس شاحبون ذوو وجوه مستطيلة، ونظرات تدل على التعصب، ويعني اسمهم «المتجانبين، الخلص»، ومنهم يتألف الحزب الوطني الكبير، ويبلغ عدد المنتسبين إليه نحو ستة آلاف، وهم إذ كانوا ديموقراطيين نسبا وعلما وسيرا لم تغب عنهم تفاسير الشرع الحديثة، وهم إذ كانوا أبناء لحدادين ودباغين وسكافين، أو إخوة لهم، طالبهم حزبهم بأن يقضوا ثلث النهار في الأعمال اليدوية، أو أن يقضوا جميع الصيف في هذه الأعمال، على أن يقضوا الشتاء كله في الدرس، وهم إذ كان أكثرهم من الفقراء راعوا أحكام الشرع الذي يحرم عليهم أن يأخذوا أجرا على تعليمهم له، فنالوا بذلك احترام الشعب.
والفريسيون بدوا بعيدين من حياة الشعب اليومية مع ظهورهم من صميمه، فكان ذلك ثمنا لما أصابوه من الاعتبار، والفريسيون مع زهدهم في السلطة وحطام الدنيا خلافا لأعدائهم الصدوقيين، أدركوا مكانا عليا؛ بفضل وقوفهم على الشريعة، ومباحثهم فيها، وتفسيرهم لها. ولو اطلعت على سرائرهم لوجدتهم يزدرون الفلاحين والمحترفين من إخوانهم؛ لعجز هؤلاء عن تلاوة التوراة، وجهلهم تفسيرها، وعدم إتقانهم العمل بأحكامها. ومن شأن العصائب التي يمسكها الفريسيون بأيديهم على الدوام، والأهداب المجهزة بها ثيابهم ألا تغيب الشريعة عن بالهم ثانية.
والفريسيون إذ كانوا يحسبون، في كل مرة، درجة تقبل الأزلي الصمد لكل قربان، والفريسيون إذ كانوا يظهرون المكث في الصلاة والتقشف وإيتاء الزكاة على مرأى من الناس في الميدان العام، وفي الهيكل، ويفرطون في الصوم والوضوء والغسل، والفريسيون إذ كانوا يقومون بشعائر الدين غير تاركين شيئا منها، وغير غافلين عن أمر أو نهي من أوامر الشريعة ونواهيها؛ بدوا أئمة للشعب، مهذبين له، فيتساءل الصدوقيون، الذين وطنوا أنفسهم على الشك والارتياب، مستهزئين عن الوقت الذي يصقل الفريسيون قرص الشمس فيه.
والعبرة للأعمال لا للنيات عند الفريسيين؛ فالذي يكثر من الهبات للهيكل يعفى، عندهم، من الإنفاق على والديه العاجزين، والذي يذكرونه في دروسهم هو عدد الخطوات المباحة يوم السبت، أو عدد الجلدات التي يجلد بها المذنبون، لا الخطايا والبغاء ونقاء الضمير. وقد دام جدلهم عدة سنوات حول صلاح الغلات التي تقدم إلى الهيكل إذا ما حصدت سنابلها في اليوم الثاني من عيد الفصح، وكان هذا اليوم سبتا. ومن مسائلهم: هل تنعقد اليمين بالقسم على الهيكل أو ذهب الهيكل؟ وهل تظل النفساء دنسة في الأيام السبعة الأولى أو الأيام الأربعة عشر الأولى؟ وهل يجب في يوم الغفران أن يحرق البخور أمام قدس الأقداس قبل حضور رئيس الكهنة أو بعد حضوره؟
وبينما كان الفريسيون يأتون تلك السفاسف فتطفو على اللباب كانوا ينفخون في الشعب روح الأمل في مقاديره السياسية، فيحدثونه عن موسى، وعن الخلاص، وعن مملكة الرب، وعن احتقار المشركين. واليوم تراهم يرفضون يمين الولاء للرومان كما رفض آباؤهم قسم الإخلاص لآل الملك هيرودس في غابر الأزمان.
والموضوع الذي يبحث فيه المجمع اليهودي «السنهدريم» في هذا النهار هو تعيين الشخص المجرم الذي يطالبون الرومان بإطلاقه؛ فمن العادة التي استقرت منذ جيل أن يلتمس اليهود من الوالي الروماني في كل عيد فصح العفو عن مجرم محكوم عليه بالقتل، فمن هو الذي سيطلبون العفو عنه في هذه المرة من بيلاطس؟ •••
من عادة أغنياء الأشراف أن يجوبوا الشوارع على هوادج عند امتداد الظل، وعلى ما كان هؤلاء يسدلونه من الستائر بين حين وحين عندما تنقبض صدورهم، لم يأنفوا من نظر الدهماء إليهم. وهم حين يفكرون في أمر أورشليم التي أضحت، بعد قوة، عاصمة فقيرة لولاية فلسطين الحقيرة، إذا ما قيست بالولايات الاثنتين والعشرين الواقعات في عبر البحر، تتجه أنظارهم إلى رومة والإسكندرية. وما هي صادرات فلسطين البائسة؟ قليل زيت وفواكه، مضافا إلى ما تبذره في العالم جميعه من أعمال الذكاء، ودقائق الذهن، والإيمان القوي بالله الذي لا تدركه الأبصار، ورفض تقديس ملوك الدنيا، والقيصر منهم، بشمم، والأمل بالله أن يكب الآلهة القديمة، وما إلى ذلك من الشئون التي تجعل اسم إسرائيل يتغلغل في مراكز الحضارة والثقافة، وبنو إسرائيل القليلون كلما خسروا سلطانهم عمت شهرتهم في عالم المال والجبروت، ولا مراء في استهزاء بعض الناس بهم، ولكن لا مراء في خشية أناس آخرين من ثبات معتقدهم، وتركهم إياهم أحرارا في ممارسته.
أولئك الأشراف اللابسون ديباجا، فيحملهم عبيدهم على ذلك النمط مارين بهم من ضيق الشوارع هم حفدة عبيد؛ فقد استرق فاتح أورشليم الأول بومبي أسرى اليهود في رومة، ثم فك رقابهم، فبدوا من صغار التجار في جزيرة طيبر التي تجمعوا فيها، فلما آل السلطان إلى يوليوس قيصر الأكبر عرف ذكاءهم، فقربهم منه ومنحهم حق التصويت في مجلس الأمة، وعهد إليهم في تدارك ما يحتاج إليه الجيش من الميرة والعدد، فلم يمض وقت قصير حتى أصبحوا موضع ثقة، فأضحوا صرافين للقيصر، ودائنين للملوك المخلوعين، وملتزمين لدور التمثيل والرقص، فكانوا جماعين لفضائل الشرقيين ونقائصهم في المرونة والملاءمة والمعرفة وما إلى ذلك.
Page inconnue