74

Ibn Hazm : Sa vie, son époque, ses vues et sa jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Maison d'édition

دار الفكر العربي

Lieu d'édition

القاهرة

وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد، والموافقة في الأنداد(١) ويقول في أمارات الحب: «ومن علاماته الظاهرة لكل ذي بصر الانبساط الكثير الزائد، والتضايق في المكان الواسع، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما». وهذا كلام لا يكتبه إلا ذو إحساس قوي يحس بكل ما يجري حوله حسه بإحساسه ثم يستقريه بنظره، ثم يسجله بقلمه حقائق ثابتة.

٨٧ - وإن ابن حزم فوق هذه الصفات النفسية التي أرهفت مداركه له صفات خلقية سمت به، وأعلته وجعلته يتجه إلى معالي الأمور. وإن أبرز صفاته الخلقية هذه صفتان، أولاهما الوفاء، والثانية الاعتزاز بالنفس من غير عجب، ولا خيلاء.

فأما الوفاء فقد كان جوهر نفسه، كان وفياً لأصدقائه، ولشيوخه، ولكل من اتصل به، بل كان وفياً حتى الجماد. فهو يسأل الذاهبين إلى قرطبة عن دوره وما جرى لها: وقد كانت مغانيه وكان فيها أنس نفسه. وإنه ليقول في ذلك: «لا أقول قولي هذا ممتدحاً. ولكن آخذ بأدب الله عز وجل: «وأما بنعمة ربك فحدث» لقد منحني الله عز وجل من الوفاء لكل من يمت إلى بلقية واحدة ووهبني من المحافظة لمن يتذمم مني ولو محادثة ساعة حظاً أنا له شاكر وحامد. ومنه مستمد ومستزيد. وما شيء أثقل علي من الغدر. ولعمري ما سمحت نفسي قط في الفكرة في إضرار من بيني وبينه أقل ذمام، وإن عظمت جريرته، وكثرت إلى ذنوبه. ولقد دهمني من هذا غير قليل، فما جزيت على السوءى إلا بالحسنى. والحمد لله على ذلك كثيراً»(٢).

وهكذا يقرر أن الوفاء خلته، وأنه يفى لمن يذنب إليه. ومن يخلص له، وأن الوفاء فضيلة في الحالين. فما كان الوفاء ليكبر إلا عند وجود أسباب الغدر أو دواعى القطيعة، وإنه ليختار من الوفاء عظيمه. ولا يقف عند أدنى منازله. وأقل مراتبه.

(١) طوق الحمامة ص ٦ طبع القاهرة. (٢) طوق الحمامة ص ٨٢.

74