105

Ibn Hazm : Sa vie, son époque, ses vues et sa jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Maison d'édition

دار الفكر العربي

Lieu d'édition

القاهرة

١٢٥ - ولقد رأينا أنه في عهد ابن حزم قد اختلط النصارى بالمسلمين، فكان في المجتمع الإسلامي فوق العناصر المختلفة والسلالات المتباينة في الطبائع والجبلات - كان هناك ذلك الاختلاط أو ذلك الاحتكاك بين المسلمين والنصارى، لقد كان الاحتكاك مستمراً بين المسلمين والنصارى في الحروب التي اشتد أوارها وإن الاحتكاك الحربي، ولو أن الصوت المسموع فيه صوت السلاح يقعقع، يكون فيه الالتقاء الفكري يسري في خفية عن بريق السيوف؛ وإن الحروب دائماً توجد احتكاكاً مجدياً في السلم، كما قطع في الحرب، ألم تر أن الحروب الصليبية التي اشتد أوارها بين الشرق والغرب كانت الطريق لمعرفة الأوروبيين ما في الشرق من نور وعرفان، وأنه انبعث من بعدها عصر النهضة مكللاً بما أخذ من الشرق من نور ومعرفة، اختط في ضوئهما سبيله إلى الحياة التي تناسب الأوروبيين، وهي المادية التي تسيطر دائماً على تفكيرهم:

وإن المسلمين فوق ذلك الاحتكاك كانوا يختلطون بالنصارى، فإنهم كانوا يفدون إلى الأندلس وفوداً من حكام القسطنطينية ومن النصارى الذين يصاقبونهم، والنصارى كانوا فوق ذلك في البلاد ذميين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، والعدالة الإسلامية ترفرف على الجميع، وإن كان شطط من بعض الحكام، فظالمه عليهم وعلى المسلمين سواء:

وإن الاختلاط بين المسلمين والنصارى قد قوى واشتد لما ضعف شأن الأمراء المسلمين، وصاروا يستعينون ببعض النصارى أحياناً، ويدفعون لهم الإتاوات أحياناً، فقد اشتد حينئذ الاختلاط، وإن لم يكن في بعض صوره كريماً كما كنا نحب للإسلام والمسلمين.

وقد كان لذلك الاختلاط نتائجه. وهو الاتصال الفكري والالتحام الجدلي، وقد كان لذلك أثره في كتب ابن حزم، وقد سجلته كما ذكرنا.

١٢٦ - ولقد تكون من ذلك هذا المزيج، الذي حوى أكرم السلالات كما حوى أعنفها، اجتمع من العناصر المختلفة جمع من الناس بدت فيه كل

105