Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
تمهيـــــد
١ - قال أبو ثور في أحمد بن حنبل: «لو أن رجلاً قال إن أحمد بن حنبل من أهل الجنة ما عنف على ذلك، وذلك أنه لو قصد رجل خراسان ونواحيها لقالوا: أحمد بن حنبل رجل صالح، وكذلك لو قصد الشام ونواحيها لقالوا: أحمد بن حنبل رجل صالح، وكذلك لو قصد العراق ونواحيها لقالوا: أحمد بن حنبل رجل صالح، فهذا إجماع، ولو عنف هذا على قوله بطل الإجماع(١)».
هذا قول فقيه محدث معاصر لأحمد فيه، وهو فوق أنه يكشف عن منزلة أحمد في نفسه، يبين منزلته في نفوس كل معاصريه؛ انعقد إجماع أهل الأقطار الإسلامية المتنائية على أنه رجل صالح، وتسايرت الركبان بذكر صلاحه، وتقواه، وورعه، وقوة إيمانه، وزهده، وإذا كان الإجماع حجة فقد قامت الحجة على صلاح أحمد، ليس في ذلك من ريب، ولا مجال للشك فيه.
وفي الحق إن أحمد قد ابتلي، فأحسن البلاء، وصقلت نفسه، وفتن بالشديدة والكريهة، خرج منها كما يخرج الذهب من الكير، وقد نقي وطهر من كل فِلزّ غريب عنه، واختبر أحمد بالدنيا وزينتها فصدف عنها، وإن كانت له نفس تطلب طيبات الحياة، ولكنه قدعها عن شهواتها؛ وفطمها عن الترف وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، طلبته الملاذ فردها، وزايلها فلم يعاق به شيء من طارف الحياة، كما لا تستمسك الأدران بالأجسام المجلوة المصقولة. اختبر أحمد بالضراء والسراء فلم تخنع الضراء قلبه، ولم تفتن السراء عقله، اختبره خلفاء أربعة، خرج من الاختبار رجلاً صالحاً، وقد تنوعت طرائق الاختبار؛ اختبره المأمون بالقيد، فساقه إليه مقيداً مغلولاً يثقله الحديد مع بعد الشقة وعظم المشقة، واختبره المعتصم بالحبس والضرب، واختبره الواثق بالمنع والتضييق، فما نهنهوا من نفسه وما يعتقد، وبعد تلك البلايا
(١) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص١٢٤.
5