41

Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

عنه في مجلدات ضخام، وكان للناس فيها نظر نرجئه إلى الكلام في رواية فقهه.

٤١- وقبل أن نترك الكلام في درس أحمد، ونحن نسرد مجرى حياته، يجدر بنا أن نشير إلى أمر ذي بال هنا وهو أن أحمد رضي الله عنه كان يحيا، وهو يطلب الحديث والفقه، ثم وهو يلقي الحديث والفقه إذا سئل عنهما - حياة سلفية خالصة، تجرد فيها من ملابسات العصر، ومناحراته، وما يجري من منازلات فكرية، وسياسية أو اجتماعية أو حربية، واختار أن يحلق بروحه في جو الصحابة والصفوة من التابعين، ومن جاء بعدهم، ممن نهج نهجهم، واختار سبيلهم، لذلك كان علمه وفقهه هو علم السنة وفقهها، لا يخوض في أمر، إلا إذا علم أن الصحابة خاضوا فيه، فإن علم ذلك اتبع رأيهم، ونفى غيره، وإن لم يعلم أن الصحابة خاضوا في ذلك الأمر كف عنه، واستعصم متوقفاً حذراً، فلا يقفو ما ليس له به علم، لأنه يعتقد أن الخروج عن تلك الجادة زيغ عن منهاج السلف، وإلحاد في دين الله سبحانه وتعالى، لا يتكلف التعمق في مسائل عقلية قد تكون متاهات للعقل البشري، وأن خرج من وعثائها سالماً، فقد جهد نفسه غير طائل، وشغل فكره في غير جدوى، ولها عن ذكر الله، وقسا قلبه، وصد نفسه عن سبيل العبادة. لم يشغل أحمد نفسه بغير علم السلف، والحياة الروحية في جنة هؤلاء السلف، ولم يدرس شيئاً غير ما يتصل بهم.

٤٢- ولماذا سلك أحمد ذلك المسلك؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نمس عصره ببعض البيان مسا رفيقا مرجئين بيان ذلك العصر بياناً مناسباً إلى موضعه من بحثنا.

إن عصر أحمد قد غلب فيه العنصر الفارسي العنصر العربي، وسادت الحضارة الفارسية، أو غير العربية بشكل عام - المجتمع الإسلامي، وماجت المدن الإسلامية بعناصر مختلفة من أمم متباينة الأرومة، وترجمت العلوم الفلسفية من اللغة السريانية واليونانية وغيرهما، وامتزجت مدنيات، وتصادمت حضارات.

ومن طبيعة العصر الذي تكثر فيه المنازعات، ويضطرم باحتكاك المدنيات المختلفة

40