Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، بل كان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس مجلسه بعد العصر، لا يتكلم حتى يُسأل)) (١).
ترى من هذا النقل كيف كان لا يقول إلا إذا سئل، حتى يكون البيان وقت الطلب، ويظهر أنه لما كتب مسنده كان يمليه على أولاده وخاصة تلاميذه من غير طلب، بخلاف ما كان من الشأن لغيره، فإنه ما كان يذكر حديثاً حتى يُسأل عنه.
ويروى ابن الجوزي عن أبي حاتم الرازي، فيقول: ((أتيت أحمد بن حنبل في أول ما التقيت به في سنة ثلاث عشرة ومائتين، وإذا هو قد أخرج معه إلى الصلاة، كتاب الأشربة، وكتاب الإيمان، فصلى، فلم يسأله أحد، فرده إلى بيته، وأتيته يوماً آخر، فإذا هو قد أخرج الكتابين، فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك؛ لأن كتاب الإيمان أصل الدين، وكتاب الأشربة يفرق الناس عن الشر، فإن أصل كل شيء من السكر (١))).
وهذا النص يدل على أن أحمد كان يخرج إلى المسجد ومعه كتب يظن الناس يسألونه عن موضوع ما فيها من حديث، فهو يخرج كتاب الإيمان من الأحاديث لمظنة أن يسأله الناس عن أحاديث الإيمان في وقت قد اضطربت فيه العقائد، وتعددت أسباب الزيغ، ويخرج أيضاً كتاب الأشربة في وقت كثرت فيه الأشربة المحرمة، وتعددت أنواعها، وخشي فيه أهل التقى أن يقعوا في المحرم من حيث لا يشعرون، ويقعوا في خبيث الشراب، من حيث يظنونه من طيبات ما أحل الله سبحانه.
وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن أحمد رضي الله عنه ما كان يذكر حديثاً حتى يُسأل عن موضوعه، وأنه لا يجيب إلا عن كتاب منقول، وإن كان الحافظ الثبت الثقة، بل الذي يجمع الرواة على أنه لم يكن في عصره أحفظ منه، وأثبت، وأدق. ولقد قال ولده عبد الله ((ما رأيت أبي حدث من حفظه من غير كتاب، إلا بأقل من مائة حديث(٢))).
(١) حلية الأولياء ج ٩ ص ١٦٥
(٢) غذاء الألباب ص ٢٥٩
38