27

Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ولكنه لم ينجز ما وعد، فقد روى حرملة عن الشافعي أنه قال: ((وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم على مصر، فلم يقدم)) قال ابن أبي حاتم يشبه أن تكون خفة ذات اليد منعته أن يفي بالعدة(١).

٢٦ - طوف أحمد في الأقاليم الإسلامية طالبًا للحديث، لا يستكثر الكثير، ولا يني عن الكد واللغوب، يحمل حقائب كتبه على ظهره، حتى لقد رآه بعض عارفيه في إحدى رحلاته، وقد كثر ما رواه من الأحاديث، وحفظه وكتبه، فقال له معترضًا مستكثرًا ما حفظ، وما كتب، وما روى: ((مرة إلى الكوفة!! ومرة إلى البصرة!! إلى متى!!))(٢).

وقد استمر جده في طلب الحديث وروايته، حتى بعد أن بلغ مبلغ الإمامة، حتى لقد رآه له رجل من معاصريه، والمحبرة في يده يكتب، ويستمع، فقال له يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، فقال ((مع المحبرة إلى المقبرة)) وكان رحمه الله تعالى يقول: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر))(٣).

وهكذا كان أحمد يسير على الحكمة المأثورة: ((لا يزال الرجل عالمًا ما دام يطلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل)) نطق بها عمله، ونطق بها لسانه في تلك الكلمات التي نقلناها عنه.

٢٧ - وقبل أن نترك الكلام في مجرته في سبيل العلم نشير إلى أمرين ذوي صلة بحياته العلمية، ومكانته من بعد، (أحدهما) أن أحمد كان معنيًا بتدوين كل ما يسمع من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثار أصحابه، غير معتمد على الحافظة وحدها، وذلك لأن العصر كان عصر تدوين العلوم، ففيه دون الفقه، وعلوم اللغة، وعلوم الحديث، فما كان يكتفي بالالتقاط بأذنه، والحفظ بعقله، بل كان يودع ما تلقاه بطون القراطيس، كما أودعه قلبه الحافظ الواعي، فكان يحفظ

(١) تاريخ ابن كثير.
(٢) ابن الجوزي ص ٢٨
(٣) ابن الجوزي ص ٣١

26