Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ما جاء الشافعي إليها، وفي جعبته فقهه، وأصوله محررة مقررة، وإن كان والى تنقيح فقهه وأصوله من بعد في مصر، وكان أحمد قد نضج، حتى لقد كان الشافعي يعول عليه في معرفة صحة الأحاديث أحياناً، وكان يقول له إذا صح عندكم الحديث، فأعلمني به، أذهب إليه حجازياً أو شامياً أو عراقياً أو يمنياً(١)
وقد ذكر ابن كثير تفصيل هذه الرحلات الحجازية، فقال: ((أول حجة حجها في سنة سبع وثمانين ومائة، ثم سنة إحدى وتسعين، ثم سنة ست وتسعين، وجاور في سنة سبع وتسعين، ثم حج سنة ثمان وتسعين، وجاور إلى سنة تسع وتسعين.. قال الإمام أحمد ((حججت خمس حجج، منها ثلاث راجلاً، وأنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً، وقد ضللت في بعضها عن الطريق وأنا ماش، فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني على الطريق، حتى وقفت على الطريق))(٢)..
ولعله كان يحتسب في الحج ماشياً، لأنه كلما عظمت المشقة مع الطاعة عظم الثواب أو لعل ذلك وهو الراجح القريب كان لعدم مقدرته على النفقة، فكان يحج ماشياً ليقوم بالنسك، وليجاور بيت الله الحرام، وليطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلع على فتاوى أصحابه والتابعين لهم.
ولقد رحل إلى الكوفة، ولاقى المشقة في هذه الرحلة مع قربها من بغداد لأن مقامه بالكوفة لم يكن ليناً رفيقاً، بل كان ينام في بيت تحت رأسه لبنة كما حكى هو عن نفسه، وقال لو كان عندي تسعون درهماً كنت رحلت إلى جرير بن عبد الحميد إلى الري، وخرج بعض أصحابنا، ولم يمكني الخروج لأنه لم يكن عندي شيء.
٢٥- ويظهر أنه كان يستطيب المشقة في طلب الحديث، لأن الشيء الذي يجيء بيسر يكون قريب النسيان، وكان فوق ذلك يحتسب نية الهجرة في سبيل الحديث لله سبحانه وتعالى.
وكان مما رسمه لنفسه أن يذهب إلى الحج سنة ثمان وتسعين، وبعد الحج والمجاورة يذهب إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء اليمن، وقد كاشف بهذه النية رفيقه
(١) تاريخ ابن كثير الجزء العاشر ص ٣٢٧، وقد كان هذا القول في الرحلة الثانية للشافعي إلى بغداد سنة ١٩٨
(٢) تاريخ ابن كثير جزء ١٠ ص ٣٢٦
24