Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
بهم، ونصح لهم، وقام بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من غير مداجاة، ولا إدهان في القول، ولا شك أن هذه الطريق قد تنتج نتائج حسنة في الجملة إذا فتح ولي الأمر بابه للمخلصين، ونطقوا بالحق، وفتح أذنيه لسماعه، وقلبه لوعيه، وإنه بتوالي النصح والإرشاد قد يكون السير بالحكم في مدارج الكمال، وإن لم يكن النصح وحده كافيا لبلوغ أقصى الغاية.
ولكنا نرى أحمد لم يتصل بالخلفاء، ولم يؤثر عنه أنه عمد إلى دعوة الأمراء والحكام إلى الامتناع عن الظلم، وإلى توجيههم إلى إقامة السنة، بل كان موقفه منهم سلبيا، لا يسايرهم فيما هم فيه، ولا يدعوهم بالقول إلى غيره، فهل كان ذلك ناشئا من أنه كان يمتنع عن الخوض في السياسة ومعالجة شئونها، وترك الأمر والدعوة إلى السياسة الصالحة للصالحين من أهل الخبرة فيها، وخصوصا أنه وجد الأمور معقدة؟
لعل ذلك هو الذي حمله على ذلك المسلك، ولعله أيضا قد وجد أن النصيحة لا تصادف القلوب الواعية، ولما استيئس من الإجابة لغلبة المعتزلة، وأهل الأهواء على قلب الخليفة، كفى نفسه مئونة الردود الجافة، وهل يترك هو وأشباهه أمور الأمة هملا لا نصيحة ولا هداية؟ يظهر أنه كان يرى رأي الحسن البصري من أن صلاح الرعية يؤدي لا محالة إلى صلاح الراعي، وأن الحاكم مظهر من مظاهر الشعب، فإذا استقام الشعب على الجادة وأقام السنة، واستمسك بأوامر الدين كان الحكام الصالحون ولذلك كانت جهوده كلها لإحياء السنة، وحث الناس على القيام بحقها، وكانت أقواله وأفعاله وسمته وسلوكه داعية قوية مؤثرة للصلاح والاستقامة، والحكام لون الشعب الذي يظهر.
٣٤ - هذا رأي أحمد في الطاعة، وقد بينا من قبل ما نظنه رأيه في اختيار الخليفة وطريقة اختياره، ولم نره يصرح بأن الخلافة تكون في بيت من بيوت العرب، أو قبيلة من قبائله، كما ذكرنا أن مجموع كلامه يدل على أن الناس إن بايعوا بأي حال - كان المبايع خليفة، ولو كان من غير العرب، أو من غير قريش فطاعته واجبة، والجهاد معه واجب، وإقامة الجمع والأعياد، وسائر الصلوات وتنفيذ الحدود تحت ظله واجبات أيضا، ليقوم عمود الدين، ولأنه يجوز إمامة الفضول كما قلنا.
ولكن ألا يرى بيتا قد اختصت به السنة بمزية الأفضلية؟ يظهر أنه كان يعرف
152