قال المقري، صاحب نفح الطيب؛ تعقيبا على هذا القول: «من هذا وشبهه تعلم أن كلام الشيخ - رحمه الله - مؤول وأنه لا يقصد ظاهره؛ وإنما له محامل تليق به؛ فأحسن الظن به، بل اعتقد، وللناس في هذا المعنى كلام كثير، والتسليم أولى، والله بكلام أوليائه أعلم.»
ذلك قول المؤرخ العظيم المقري، صاحب نفح الطيب، في وجوب الفهم والتذوق أولا، ثم حسن الظن وجمال التسليم؛ لأن لكلام العارفين الكمل محامل تليق به وتليق بهم، ورضوان الله على العارف القائل:
تركنا البحار الزاخرات وراءنا
فمن أين يدري الناس أين توجهنا
ولقد ذهب خصوم محيي الدين الذين ملئوا الدنيا حوله صياحا في حياته، ولاحقوه في تاريخه، ذهبوا وبقي محيي الدين؛ لأن الحق يبقى، وما كان خصومه بالنسبة إليه - كما قيل - بأكبر من ناموسة نفخت على جبل تريد إزالته، وتذهب الرياح بأمم من الناموس، وتبقى الجبال شوامخ راسيات، يثبت الله بها الأرض، وينفع بها الناس، وتتدفق منها الكنوز والخيرات.
المستشرقون ووحدة الوجود
يقول العلامة «ليوبولد قايس» النمسوي الذي أسلم، وتسمى باسم: «محمد أسد» في كتابه الإسلام على مفترق الطرق: «قد لا تقبل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية، ولكنها تحتفظ دائما فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن، إلا أنها حالما تتجه إلى الإسلام يختل التوازن، ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين، جعلوا من أنفسهم فريسة للتحزب غير العلمي في كتابتهم عن الإسلام.»
ثم يقول: «إن بعض المستشرقين يمثلون مع الإسلام دور المدعي العام، الذي يحاول دائما إثبات الجريمة.»
إلى أن يقول: «وعلى الجملة فإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين، تذكرنا بوقائع دواوين التفتيش، تلك الدواوين التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في العصور الوسطى، أي: إن تلك الطريقة لم يتفق لها أبدا أن نظرت في القرائن التاريخية بتجرد، ولكنها كانت في كل دعوى تبدأ باستنتاج متفق عليه من قبل، قد أملاه عليها تعصبها لرأيها، ويختار المستشرقون شهودهم حسب الاستنتاج الذي يقصدون أن يصلوا إليه مبدئيا، وإذا تعذر عليهم الاختيار العرفي للشهود، عمدوا إلى اقتطاع أقسام من الحقيقة التي شهد بها الشهود الحاضرون، ثم فصلوها من المتن، أو تأولوا الشهادات بروح غير علمي من سوء القصد.
وليست نتيجة تلك المحاكمة سوى صورة مشوهة للإسلام، وللأمور الإسلامية، تواجهنا في جميع ما كتبه مستشرقو أوروبا.»
Page inconnue