الفصل الثاني
أسماء الشيطان الأكبر
تمثلت قوة الشر «العالمية» في شخصيات مرسومة الملامح، معروفة الأسماء، اشتهرت بها في كل لغة من لغات الحضارة الكبرى التي سبقت ظهور الديانات الكتابية، وسنذكر هذه الشخصيات بملامحها وأسمائها عند الكلام على أهم تلك الحضارات التي لها علاقة بصورة الشيطان كما تخلفت في الأعصر الحديثة، ولكننا نتقدم قبل ذلك بخلاصة عاجلة لأسماء الشيطان الأكبر التي بقيت إلى اليوم لورودها في الديانات الكتابية؛ ولأنها قد أصبحت ذات مدلول لغوي إلى جانب مدلولها الديني، فإن حضور هذه الأسماء في الذهن يبرز معالم الطريق إلى الوجهة التي انتهت إليها سوابق التاريخ ومقدراته، منذ ظهرت «شخصيات» الشيطان الأكبر في الحضارات الغابرة، إلى أن ظهرت شخصيات هذا لشيطان في كل ديانة من الديانات الكتابية التي أسلفنا أن اسم الشيطان فيها قد أصبحت له دلالته اللغوية إلى جانب دلالته الدينية.
واسم «الشيطان» بالألف واللام هو أشهر هذه الأسماء؛ لأنه ورد في كتب الديانات الثلاث، ودخل في تعبيرات اللغات الأوروبية المتداولة بلفظه المنقول عن اللغات السامية، فيتحدث الغربيون اليوم عن الفكرة الشيطانية أو عن العمل الشيطاني، ويفهمون من عباراتهم معنى لا يلتبس على القائل ولا على المتكلم. ومعنى الصفة الشيطانية عندهم مرادف للصفة الجهنمية التي تنطوي على الخبث والبراعة، وحب الأذى والتمتع بالإيذاء؛ كأنه منفس لطبيعة صاحبها يفرج عنه ويسره أن يلمح آثاره وهو مستتر وراءه.
والرأي الغالب أن كلمة «الشيطان» هذه عبرية بمعنى الضد أو العدو، ومن أسباب الظن باستعارتها من اللغة العبرية أنها لغة اليهود، وأن ديانة موسى عليه السلام سابقة للمسيحية وللإسلام، ولكنه ظن يصدق في حالة واحدة، وهي أن يكون اليهود أصلاء في الكلام عن الشيطان لم يسبقهم أحد من المشارقة إليه، إلا أنها حالة لم تثبت، وقد يكون الثابت خلافها ونقيضها؛ فإن اليهود قد وصفوا الشيطان بعد هجرتهم إلى بابل، وليست طريق بابل موصدة دون الأمم السامية غير اليهود.
والأرجح عندنا أن الكلمة أصيلة في اللغة العربية، قديمة فيها، لا يبعد أن تكون أقدم من نظائرها في اللغة البابلية؛ لأن اللغة العربية قد اشتملت على كل جذر يمكن أن يتفرع منه لفظ الشيطان، على أي احتمال وعلى كل تقدير.
ففيها مادة شط وشاط وشوط وشطن، وفي هذه المواد معاني البعد والضلال والتلهب والاحتراق، وهي تستوعب أصول المعاني التي تفهم من كلمة الشيطان جميعها.
فالشطط من الغلو الذي يدخل في أخص عناصر «الشيطنة»، والشط بمعنى الجانب المقابل قد تلحظ في مقابلة الخير بالشر من جانب الشيطان.
وشاط بمعنى احترق وتلف، وأشاطه بمعنى أهلكه وأتلفه، وانطلق شوطا أي ابتعد واندفع في مجراه، وشطن أي ابتعد فهو شيطان على صيغة فيعال.
وقد كان العرب يسمون الثعبان الكبير بالشيطان، ويقال في بعض التفسيرات: إن هذا المعنى هو المقصود من:
Page inconnue