واسترسلت السيدة جاميسون قائلة إنها كانت تخشى أن تكون قد بالغت في التدخل في حياة كارلا، وإنها ربما ارتكبت خطأ حين اعتقدت بأن سعادة كارلا وحريتها شيء واحد، ولكن كل ما كان يهمها هو سعادة كارلا فحسب، وأنها ترى أنه ينبغي لها - أي كارلا - أن تلتمس تلك السعادة في زواجها. وكل ما تأمله الآن أن تكون رحلة كارلا وأحاسيسها المضطربة قد ساعدتها على إخراج مشاعرها الحقيقية إلى السطح، وربما ساعدت زوجها أيضا على أن يدرك مشاعره هو الآخر تجاهها.
وقالت إنها ستتفهم جيدا إذا ما رغبت كارلا في تجنب الذهاب إليها في المستقبل، وإنها ستظل ممتنة لكارلا دوما لحضورها ووقوفها بجانبها في مثل ذلك الوقت العصيب من حياتها.
ولكن كان الشيء الأغرب والأعجب بالنسبة لي في خضم كل تلك الأحداث هو ظهور فلورا مرة أخرى، بل إنه قد بدا لي أمرا أشبه بالمعجزة. أين كانت طوال كل ذلك الوقت؟ ولم اختارت ذلك التوقيت بالذات للظهور؟ إنني على ثقة من أن زوجك قد وصف لك ما حدث. لقد كنا نتحدث عند باب الفناء، وكنت أنا أول من رأى ذلك الشيء الأبيض الذي ظهر لنا فجأة من وسط الظلام حيث كنت أنا في مواجهه باب الفناء. أعلم جيدا بالطبع أن ذلك كان من تأثير الضباب، لكنه كان شيئا مرعبا بحق. أعتقد أنني أطلقت صيحة عالية حينها، وأظن أنني لم أمر من قبل بمثل هذا الوجل بمعناه الحقيقي، بل إنني أعتقد أنه يجب أن أكون صادقة وأقول إنه إحساس بالفزع والخوف. وهكذا كنا رغم أننا شخصان راشدان إلا أننا تسمرنا في مكاننا من شدة الخوف وإذا بفلورا الصغيرة المفقودة تظهر من وسط الضباب.
كان هناك شيء غريب ومميز في هذا الأمر. أعلم جيدا أن فلورا ما هي إلا مجرد حيوان عادي صغير، وأنها قد ذهبت بعيدا بحثا عن شريك للتزاوج لكي تنجب نعاجا صغيرة. وبشكل أو بآخر فإن عودتها لا تتعلق على الإطلاق بحياتنا كبشر، إلا أنه برغم ذلك، فظهورها في تلك اللحظة كان له تأثير عميق على زوجك وعلي في آن واحد؛ فعندما ينتاب اثنين من البشر فرقهما العداء شعور بالحيرة - لا بالفزع - في الوقت نفسه لرؤيتهما شبحا ما فإنه يتولد في تلك اللحظة رباط ما، ويجدان نفسيهما وقد اتحدا بطريقة غير متوقعة. اتحدا في الإنسانية؛ فهذا هو الوصف الوحيد الذي يمكن أن أطلقه. لقد تفرقنا تقريبا كأصدقاء؛ لذا فإن فلورا وجدت مكانها في حياتي كملاك جميل، وأعتقد أنها كانت كذلك في حياة زوجك وحياتك.
مع خالص تحياتي: سيلفيا جاميسون
بمجرد أن انتهت كارلا من قراءة الرسالة، طوتها، ثم أحرقتها في الحوض، وقد ارتفعت ألسنة اللهب ارتفاعا مزعجا، وراحت كارلا تفتح ماء الصنوبر، وتلتقط البقايا المتفحمة المثيرة للاشمئزاز وألقت بها في المرحاض، وهو الأمر الذي كان ينبغي أن تفعله في بادئ الأمر.
ثم انشغلت كارلا في عملها لبقية اليوم، وفي اليوم التالي، وما تلاه. وخلال ذلك الوقت، كان عليها أن تأخذ فريقين في نزهة بالخارج فوق الخيول، وأن تعطي دروسا لبعض الأطفال سواء أكانوا منفردين أو في مجموعات. وفي المساء، عندما كان يطوقها كلارك بذراعيه - فرغم كونه منشغلا كما هو الآن، لم يكن يشعر قط بالتعب أو بالغضب للدرجة التي تمنعه من احتضانها - فإنها لم تكن تجد صعوبة في أن تكون متعاونة معه.
لقد كان الأمر يبدو كما لو أن إبرة قاتلة تخترق صدرها، وعليها أن تلتقط أنفاسها بهدوء وحذر؛ حتى تتجنب الشعور بها، ولكن كان عليها بين الحين والآخر أن تأخذ نفسا عميقا فتشعر أنها لا تزال موجودة في نفس المكان. •••
أخذت سيلفيا شقة في المدينة الجامعية حيث تدرس، ولم تعرض منزلها للبيع، أو على الأقل لم تكن هناك لافتة أمامه تشير إلى ذلك. وذكرت الصحف أن ليون جاميسون حصل على إحدى الجوائز بعد وفاته، ولم يرد ذكر أي نقود هذه المرة تتعلق بالجائزة. •••
وبحلول أيام الخريف الذهبية الجافة - وهو من الفصول المثمرة التي تدر عليهم الربح - وجدت كارلا نفسها وقد اعتادت على التفكير الحاد الذي استقر بداخلها، ولكنه لم يعد حادا الآن، بل إنه لم يعد يثير دهشتها، ولكن ما أصبح مستقرا بداخلها هو بعض الأفكار المغرية؛ إغواء مستتر مستقر في ذاتها.
Page inconnue