La liberté humaine et la science : un problème philosophique
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
33
إنها تقف على النقيض من الوجود، وعلى طول الخط.
بهذا الدرس الذي تشربت به العقلية الألمانية، شحذ فلاسفتها نصالهم، كي تكتسب حدة ونفاذا، في أداء عملها المبجل: شطر العالم إلى شطرين: الأساس واللا-أساس، أو الحتمية العلمية والحرية الإنسانية.
وها هنا يجب أن نتوقف لنحاول استطلاع الصورة البانورامية الكاملة لدراما الشيزوفرينيا التراجيدية والاغتراب التي تخلفت عن نكبة الحتمية العلمية من حيث نفيها للحرية، وامتدت آثارها الوبيلة حتى تغلغلت في الفكر والفلسفة المعاصرة، فليس عبثا أن هذه النظريات الفصامية هي كبريات نظريات الحرية في الفلسفة. ••• (18أ) «آثار وبيلة»: هي الآثار التي توالدت وتكاثرت فامتدت ربما حتى اللحظة الراهنة، وقد خلقها معضل الحرية في عالم العلم الحتمي - العلم من القرن السادس عشر وحتى نهايات القرن التاسع عشر، والذي كان حتميا كأصلب ما تكون الحتمية، حتمية ميكانيكية ... هذه الآثار الوبيلة يتأتى استطلاعها بصور بانورامية شمولية، بأن ننظر بعيدا لنلاحظ كيف أن الاغتراب - وهو آفة مستشرية في البنية الحضارية المعاصرة - يعود أساسا إلى الانفصام، الشيزوفرينيا.
34
فسواء أكان الاغتراب غربة أو انعزالا عن الذات، أو فقدانا أو استلابا لها، أو تخارجا منها، أو تناقضا معها ... فإن كل هذه المسميات أو الصور لا تعدو أن تكون وجوه ثنائية مرضية أو ازدواجية موبوءة، إنه انفصام الذات عن ذاتها لتغترب عنها، أو انفصام الذات عن عالمها لتغترب عنه كآخر!
الشيزوفرينيا إذن أم الاغتراب، أو هي المرض وأعراضه شتى مظاهر الاغتراب.
وعلى هذا يمكن أن ندرك كيف خلقت الحتمية العلمية اغتراب الإنسان عن العالم حين جعلته غير متوافق مع قدس أقداس التجربة الإنسانية: الحرية، عالما غير صالح لحياة الإنسان، ولا يليق إلا بالجماد: تروس الآلة الكونية العظمى. باختصار هذا العالم/عالم العقل والعلم ليس هو عالمنا، لا ننتمي إليه ولا ينتمي إلينا، كلانا غريب عن الآخر ومغترب عنه، لكل هذا نوهنا في مدخل الكتاب إلى خطورة أن تتعارض الحرية الإنسانية مع العلم.
كانت المشكلة: كيف نوفق بين العلم والحرية؟ إنهما ينيان ولا يلتقيان البتة، والتوفيق محال، فلا بد من إحداث الشدخ في العقلية التي تعي هذا الكون بواسطة العلم - أعظم إيجابياتها فعالية فينفصل عن هذا العلم بحتميته جزء من العقل فيه متسع للحرية، كنومينا كانط ومونادا لينتز وأنا فشته ومطلق شلنج ... كلها عوالم أخرى غير هذا العالم، وكلها تمثيلات للشيزوفرينيا التي كانت مآل فلسفة تبحث عن الحرية في عالم أفتى العلم بأنه حتمي.
وفي الوقوف على أصل هذه الثنائية يمكن الإمساك بطرف الخيط، وذلك بأن نلاحظ كيف أن جاليليو - أحد الآباء العظام للعلم الحتمي - قد فرق بين الصفات الأولية التي يدركها العقل العلمي وبين الصفات الثانوية التي تدركها الحواس، وهي تفرقة سرعان ما اعتمدتها الفلسفة الحديثة في شخص أبيها ديكارت الذي شطر العالم بأسره والكيان الإنساني ذاته إلى شطرين لا معبر بينهما، أو بينهما معبر واه مضحك: الغدة الصنوبرية، وهما العقل «للحرية» والمادة «للحتمية»، إنه الرائد فاندفعت الفلسفة الحديثة وراءه في هذا الطريق الذي شقه للثنائية، فيندس الفاصم الثنائي من أولى بدايات الفلسفة الحديثة، وحتى نهاياتها الموصولة بالفلسفة المعاصرة.
Page inconnue