La liberté humaine et la science : un problème philosophique
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
الفصل الثالث
مواجهة المعضل
إما بنفي الحرية وإما بنفيها (14) إنه حقا معضل، لا يمكن اعتباره محض مشكلة أو مأزق؛ لأنه وضع لا انفراجة له البتة: العلم ينفي الحرية، فما الذي فعله الفلاسفة بإزاء هذا النفي لأية إيجابية إنسانية؟
الواقع أن مجمل فلسفة الحرية بصدد هذا المعضل، لا تعدو أن تكون أحد موقفين، لا ثالث لهما: إما نفي الحرية بمعنى السلب والإنكار؛ اعترافا بحصيلة العلم التي لا سبيل إلى غير الاعتراف بها، وإما نفيها بمعنى إبعادها وطردها إلى عوالم أخرى متصورة أو متخيلة أو موهومة، لا علاقة لها بهذا العالم الذي نحيا فيه وأفتى العلم بأنه حتمي، وفي الحالين لا حرية حقيقية، فهي إما منكورة وإما موهومة، إما منفية وإما منفية، والمحصلة واحدة: لا حرية في هذا الوجود، فليس جزافا إذن أن تمنحنا عبقرية اللغة العربية جناسا لفظيا في هذا الحكم الذي انتهت إليه دراستي لفلسفات الحرية في العالم الحتمي، وعبثا حاولت العثور على استثناء له يكسبه شيئا من المرونة.
وسبيلنا الآن إلى تبيان مصداق هذا الحكم وعرض حيثياته، والمسألة تتلخص في أن نفي الحرية بمعنى السلب واللا إما أن يأتي من حتمية صارمة
Strict
تنفي الحرية صراحة، وإما من حتمية رخوة ومرنة
Soft ، عبثا تتحايل على صلابة الحتمية محاولة إفساح موطأ قدم للحرية، على أن الحتمية ما كانت لتسمح بطائل لأي تحايل أو مداهنة.
أما النفي بمعنى الإبعاد لعوالم أخرى ففيه تتفق عبقريات الفلاسفة عن تشييد قصور في الهواء تودع فيها الحرية الإنسانية، مجللة مكللة، كالعهد بنفي أعاظم القوم حين تدول دولتهم وبغير أن يدانوا بوزر، بعد أن يصدر إليها الأمر بمغادرة هذا العالم الذي أحكم العلم قبضته عليه، ولكن يصعب التسليم بأن الحرية بجلال قدرها وثقل شأنها كائنة في الهواء أو في الخيال، ومن هنا كانت محاولات إثبات الحرية إيجابا في العالم الحتمي تعمل على قصم أو فصم صميم العالم لتستقطع حيزا لا يقع تحت سلطان العلم وتدعي أنه مجال أو بالأحرى منفى الحرية. ••• (15أ) «نفي الحرية»: الحتمية الصارمة: هذا الموقف يحقق أبسط بسائط التفلسف؛ الاتساق، فهم يعلمون علم اليقين أنه لا حرية على وجه الإطلاق لإنسان يحيا في العالم الحتمي، ويطرحون أبنيتهم الفلسفية لإثبات أن الحرية وهم زائف وحديث خرافة.
ولما كان في هذا من القسوة الشيء الكثير - فإن بعضا منهم قد يحاول مداواة هذه القسوة عن طريق تسخير التحذلقات الفلسفية من أجل الاستغناء عن الحرية بواسطة اللاحرية، قبول الحتمية وتوهم الحرية، مما يذكرنا برواية الكاتب البريطاني الساخر جورج أورويل «1984»، ففيها ينقد بقسوة الأنظمة السياسية القائمة ويجعل دولته الوهمية تتخذ شعارات ثلاثة: الحرب هي السلام - الحرية هي العبودية - الجهل قوة. والشعار الثاني يسخر من فلاسفة الحرية الحتميين قبل أن يسخر من أية أنظمة سياسية.
Page inconnue