La liberté humaine et la science : un problème philosophique
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
لتفسير حركات الجسد الفيزيقية. (ب) «حجة البيولوجيا»: وهي حجة يجعلها فرض التطور الداروني في المقدمة ، وتعتمد على فرض البيولوجيا القائل إن أي كائن حي يمكن تفسيره بصورة ملائمة تماما وفقط عن طريق الإشارة إلى وراثته وبيئته، هذان العاملان الفعليان، وتقاطعهما معا يفسر تماما كل حركات الكائن الحي، إن أي كائن حي إنما هو مركب من قدرات وردود أفعال للمنبهات، القدرات مأخوذة من الوراثة، وردود الأفعال من البيئة، وهذا التفسير ملائم تماما للحيوانات الدنيا فلماذا لا يلائم أيضا الحيوان الأعلى أي الإنسان. (ج) «حجة الفسيولوجيا»: رأينا في المدخل كيف أن علوم الحياة والفسيولوجيا قد استعارت مناهج التفسير من العلوم الفيزيوكيميائية التي تتناول المادة الجامدة، وكما يقول هورن، سوف يتجلى هذا في حجة الحتمية القائمة على الفسيولوجيا، وتقوم هذه الحجة على افتراض الآلة الإنسانية الذي ورد مرارا وتكرارا إبان رحلتنا مع الحتمية العلمية خصوصا حين التعرض للحتمية البيولوجية، وإذا كان الإنسان آلة فلا بد وأنه آلة واعية؛ إذ لا يمكن إنكار الوعي بيد أن الحتمية الفسيولوجية تنكر أية فعالية للوعي فكل أفعال الإنسان على الرغم من تعقدها إنما تعمل بموجب النمط الآلي الأوتوماتيكي، وقد تكون مصحوبة بالوعي، ولكن الوعي على أية حال لا يقع في سلسلة الظواهر العلية بل يقع خارجها بوصفه ظاهرة خارجية
Epi-Phenomenon
على حد تعبير هكسلي، وإذا كان الإنسان آلة واعية فسيبدو عمل الإرادة الحرة، أي أن يحدد الاختيار السلوك، كما لو كان معجزة، على أن السماح بالمعجزات يناقض كل أسس العلم الذي لا يعترف إلا بسلسلة العلل والمعلولات؛ لذلك لا بد وأن يرفض العلم كل العوامل الروحية بموجب أسسه النظرية والتطبيقية على السواء. (د) «قانون العلية»: وقد رأيناه العمود الفقري للعلم الحتمي، والذي تصور علماؤه أنه علم علي، وحجة الحتمية القائمة على هذا القانون تسير كالآتي:
كل العلل المتماثلة لها معلولات متماثلة، المعلول يماثل العلة حتى إنه محض ترجمة لها، والآن نجد أن التصرف الإنساني هو بالطبع معلول فيزيقي، ومن ثم نتوقع أن نجد له بالضرورة علة فيزيقية؛ العلة الفيزيقية تستبعد من طبيعة الحالة أية علة غير فيزيقية، ومن ثم فإن الإرادة الإنسانية بالطبع لن تعلل شيئا، وحركات الإنسان والكلب والحجر والشجر كلها متماثلة في أنها تعود إلى ظروف فيزيقية سابقة، وهذه الظروف الفيزيقية بوصفها العلة تحدد، هي فقط بمفردها، المعلول، وتماما كما أننا لم نعد نستطيع تفسير الضوء في المصطلحات الفيزيقية على أنه سهام جوبيتر فإننا بالمثل لم نعد نستطيع تفسير أفعال إنسان ما بالإشارة إلى ما تنتويه روحه. (ه) «حجة فلسفة العلم للطبيعة»: وهي مجرد تعميم لكل الحجج الأربع السابقة، وفلسفة الطبيعة في إطار فلسفة العلم، هي نظرية عامة مفسرة لكل حدوثات الطبيعة وقد رأينا أن المثال الميكانيكي هو مثال التفسير العلمي في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والفسيولوجيا ... وسواها من العلوم، وليست الأحداث تحدث لأن أي شخص أو أي إرادة قد شاءتها أن تحدث، إنها تحدث لأنه كان عليها أن تحدث وكان لا بد وأن تحدث، وإيجاد الرابطة الضرورية بين حدوثات الطبيعة هي مهمة العلم، وعن طريق الفرض الميكانيكي، نجد أن الكون كليا وجزئيا محكوم بالقانون الميكانيكي، ومجال القانون كوني كلي، بينما الإنسان مخلوق ضئيل جدا على أرض ضئيلة، هي ذاتها كوكب صغير نسبيا، في واحد من أصغر النظم الفلكية، بين عدد ضخم لا محدود من الأنظمة الفلكية التي تملأ هذا الكون، إن الكون نظام فيزيقي تعمل فيه القوانين، وما الإنسان إلا أصغر جزء من هذه الآلة الكونية، فكيف يمكنه إذا أن يفعل غير ما يفعله؟ أما عمل الإرادة الحرة الفردية فلا يقحم إلا كنزوة أو هوى، أو بالكثير مصادفة، في قلب كون كل حركاته محتمة ميكانيكيا، حتى إن ملاحظا ذا علم شامل، يلاحظ الوضع الحاضر يمكنه أن يتنبأ تنبؤا معصوما من الخطأ بكل ما سيكون في المستقبل ... كما أخبرنا لابلاس، وكما أوضحنا في المدخل تطرق مثال الحتمية العلمية، حتى وصل إلى العلوم التي تدرس الظواهر العقلية الإنسانية فاقتحمت الحتمية العلمية الحرية والإرادة الإنسانية، وكان اقتحاما مظفرا أسفر عن حجة مباشرة تماما هي: (و) «حجة علم النفس»: طالما أن منهج العلم يستبعد حرية الإرادة، فمن الطبيعي أن يصبح علماء النفس حتميين، يقرون بأن كل تصرفات الشخص لا تعدو أن تكون ردود أفعال انعكاسية آلية لمؤثرات بيئية لا دخل فيها للشخص، إنه لا يستطيع أن يتحرر كلية من عاملي الوراثة والبيئة، ولكن ليس التساؤل المطروح هو ما إذا كنا أحرارا كلية، بل ما إذا كنا أحرارا أصلا.
وتقوم حجة الحتمية ها هنا على أساس اعتماد علم النفس على العلوم الأسبق منه في سلم العمومية خصوصا الفسيولوجيا التي تسبقه مباشرة، وبناء على هذا، لن يكون ثمة حالة عقلية بغير حالة للمخ مناظرة لها، ذلك أن حالة المخ يجب وأن تعد تفسيرا للحالة العقلية، طالما أنه لا توجد للحالات العقلية المتعاقبة علاقات قابلة للتحكم، وحالة المخ ذاتها لا تفسر بالرجوع إلى الحالة العقلية، بل بالإشارة إلى حالة المخ الأسبق منها؛ على هذا النحو، لا تتحطم سلسلة العلية الفيزيقية، إنها تفسر نفسها بنفسها، وتفسر أيضا تسلسل الحالات العقلية، في حين أن تسلسل الحالات العقلية بدوره لا يفسر شيئا على الصعيد الفيزيقي، وهذا يستبعد بصورة حاسمة الإرادة الواعية من أي مجال للفاعلية.
إن علم النفس بوصفه علما بالذهن، له أيضا تصوره الحتمي للقانون، فإذا ما فهمنا المجال العقلي، فلا بد وأن له هو الآخر قوانينه، ويجب أن تكون هذه القوانين بغير استثناء يتضمن الإرادة الحرة، إنها لمهمة علم النفس من حيث هو علم، أن ينكر أية استثناءات وأن يكتشف القوانين، وعلى رأس القوانين التي تبرز بجلاء كيف ينفي علم النفس الحتمي الحرية، إنما هو قانون الدوافع، الذي ينص على أنه ليس ثمة أي فعل بغير دافع، وأن أقوى الدوافع هو الذي يحدد الإرادة ودائما يجيء الفعل طبقا لأقوى الدوافع، والدوافع، سواء فطرية أو مكتسبة، مستقاة من البيئة والوراثة، أو من كليهما معا، فكيف يمكن أن يختار الإنسان أن يتبع الدافع الأضعف؟ على الإجمال، كيف يمكن له أن يختار أصلا؟ (ز) «حجة علم الاجتماع»: يتناول علماء الاجتماع مشكلة الحرية من منظور آخر خاص بهم، فهم يسحبونها من نطاق الفعل الفردي، ويضعونها في نطاق المجتمع، وهذا أجدى كثيرا - في رأيهم ؛ لأن الإنسان يعيش ويتصرف بالفعل في مجتمع وليس في عزلة فردية، ثم إن أعضاء الجماعة ليسوا أحرارا في اتخاذ القرار، إنهم يتبعون القائد، والقائد بدوره لا يتخذ القرار بحرية فهو واقع تحت تأثير الأفكار الكائنة في عقله، ويمكن تعقب أفعال الإنسان حتى نصل إلى أفعال الآخرين وإلى الأفكار المسيطرة عليهم؛ وعلى هذا، يصبح علم التصرف الإنساني في الجماعة ممكنا، فقط عن طريق الاعتراف بالحتمية الاجتماعية وإنكار الحرية الإنسانية، ولم يكن تاريخ علم الاجتماع حتى كونت وإميل دور كايم إلا تبيانا للجهود التي بذلها مؤسسو علم الاجتماع لكي يصبح علما حتميا يضع القوانين الحتمية التي تتنبأ مسبقا بما سوف يحدث، وإذا كان هذا التنبؤ ممكنا فكيف يمكن إذن أن تعود تصرفات الأفراد في الجماعة إلى إرادة حرة،
11
إن ما يبدو على أنه أفعال الإرادة، سوف يخضع لقوانين عامة، بحيث يمكن - بل يجب - استبعاد فرض الحرية، ويصبح علم الاجتماع هو الآخر نصيرا للحتمية.
وأخيرا،
12
Page inconnue