La liberté humaine et la science : un problème philosophique
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
21
وبهذا تكون المناقشة اللغوية التاريخية قد انتقلت بنا تلقائيا إلى قلب المشكلة الفلسفية مؤكدة أواصر القربى والصلات الوثقى بين هذا البحث المعاصر جدا وبين التراث القابع في أعماق التاريخ، وقبل أن ننتقل مرة أخرى إلى البحث الفلسفي نلاحظ أن التحليلات اللغوية قد انتهت إلى ما ينبغي أن تنتهي إليه: إلى تحصيل الحاصل، وهو ما عبرت عنه بالحكم بمشروعية المصطلح.
فلن تعني الحرية - وبشيء من التطويع - أكثر من الفعل الأصيل في صدوره من الذات، وهذا ينطبق على كل الأوجه المذكورة من الحرية «فقرة 1» وسواها ولا يستبعد شيئا، وإذا خرجنا من الإطار اللغوي إلى قلب مضمون الفكر الإسلامي، أي لو لجأنا إلى المفكرين والفلاسفة العرب في طرحهم للسؤال ما هي الحرية؟ لوجدناه لديهم ما زال موضوعا لعمومية مطلقة لا تتخلص من هلاميتها، وإن كان أشد التصاقا بالأساس الوجودي المطلق وأبعد عن العينيات الجزئية؛ فهو طرح لا يسأل عما تعنيه الحرية بالنسبة لهذا الفرد أو لهذه الطبقة، بل ما هي الحرية بالنسبة للإنسان كإنسان، يلتقي هنا الفلاسفة العرب المعاصرون بفلاسفة الماضي، وفلاسفة اليوم يرون المشكل في إطار علاقة الذات باللاذات، يتصورون الذات عقلا أو نفسا أو جوهرا أو مطلقا، ثم يتصورون اللاذات مادة أو جسما أو طبيعة مخلوقة، فيتصورون أن الحرية قدرة أو استطاعة أو كسب، قد يولدون الذات من اللاذات أو العكس لكنهم يتفقون جميعا في نظرتهم إلى الحرية كمفهوم مجرد يطبق على مثل معين، يعالجون المسألة بطرق مختلفة من تحليل لغوي إلى وصف وجودي إلى افتراض ما ورائي، ويستعملون أساليب متباينة من صور شعرية إلى معقولات مجردة، لكنهم ينظرون دائما إلى الحرية كمطلق.
22
إننا بهذا اقتربنا بعض الشيء مما نريده، لكن ما زالت المشكلة قائمة كيف يمكن تحديد مقولة الحرية في إطار هذا البحث. ••• (3) «لنبذل محاولة أخيرة مع التعريف الفلسفي للحرية»: وهو يخبرنا بأن الحرية بوجه عام حال الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو غلبة ويفعل طبقا لطبيعته وإرادته، وتصدق على الكائنات الحية جميعها من نبات وحيوان وإنسان؛
23
لذلك فالحرية تشير بصفة ابتدائية إلى ظرف يحققه غياب الإجبار أو القسر كشرط ضروري، فنقول إن الإنسان حر على قدر ما يستطيع أن يختار بين البدائل المتاحة له، يختار ما يفعله ويختار أهدافه الخاصة وسبل سلوكه، وعلى قدر ما لا يكون مجبرا على التصرف تصرفا لم يختره هو نفسه أو يمنع من الاختيار أو من التصرف حسبما اختار، وليس مفروضا عليه شيء بلا إمكانية أخرى،
24
هكذا «تظهر فكرة الاختيار على اعتبار أن الحرية إن هي إلا المقدرة على فعل شيء أو الامتناع عن فعله»،
25
Page inconnue