وقد يجادل الرجل عن ناموس دينه وعرضه وماله بالتي هي أبلغ وأشد نظرا، إلا أن فناءه والتحافه بالتراب أكمل حالا من بقائه أعزل من الوسائل التي يدرك بها مقاما محمودا وشرفا مؤثلا، وكثيرا ما يستوحش من عصر شبابه إذا حبط سعيه سدى، وفاجأه الحرمان من اجتناء فائدة علق عليها أملا حريصا.
وربما آثر انصرام أجله إذا حاق به بلاء زرر عليه الفضاء، أو اشتدت به أزمة يبيت من أجلها متوسدا لذراع الهم والمتربة، وقد يلذ له كأس المنون إذا أرهقته علة فاقرة خدرت إحساسه، واستحال لها الماء الفرات في ذوقه ملحا أجاجا، إنما استلذ مرارة حتفه لمكان الإياس الذي ربط على قلبه، وكسر من جناحي رجائه دون البلوغ إلى الغاية، كما يسأم من حياته إذا دب في ساعده الفشل، وخالط عظامه الوهن عن القيام بواجباتها، ومن تأول قول الشاعر:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
على مثل هذا الوجه لم يكن مخطئا؛ فالرغبة في الحياة تضاهي كراهتها في رجوعها إلى أمر خارج عن حقيقتها، ولكنه يرد من ناحيتها، وينال بواسطتها.
وإذا علمت نفس طاب عنصرها وشرف وجدانها أن مطمح الهمم إنما هي غاية وحياة وراء حياتها الطبيعية لم تقف بسعيها عند حد غذاء يقوتها وكساء يسترها ومسكن تأوي إليه، بل لا تستفيق جهدها، ويطمئن بها قرارها، إلا إذا بلغت مجدا شامخا يصعد بها إلى أن تختلط بكواكب الجوزاء، قال امرؤ القيس:
ولو أنما أسعى لأدنى معيشة
كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
Page inconnue