99

Voici le Coran

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Genres

وهنا قد يرد سؤال آخر، وهو أننا نراك تكرر كلمة نظام خلال تفسيرك الآيات فمن أين جئت بها؟ لكني أقول للسائل: تعال معي بعقل يحاول أن يفهم ولا تتهجم ولا تتجهم.

إن كلمة كتب تعني في اللغة رتب ونظم وجمع وأحكم والكتابة لا تعني إلا جمع كلمة إلى كلمة وحرف إلى حرف وتنظيمها حتى يفهم منها من قرأ معنى لم يكن يفهمه لولا تنظيم هذه الكلمات والحروف ولهذا قيل للجماعة المنظمة كتيبة وللجيش المنظم الجماعات كتائب ويقال كتب الكتائب أي جمع ونظم.

وعلى هذا الأساس يقول أصحاب أمهات الكتب في تأليف المواضيع والمعلومات: كتاب الصلاة، كتاب الطهارة، كتاب البيع، أي هذا نظام البيع والصلاة والطهارة وقواعدها التي بدونها لا تصح.فكتاب مصدر كتب أي نظم، نظاما، وتنظيما، ورتب ترتيبا الشيء: جعله مؤسسا على قواعد لا يصح الخروج عنها، فالخروج عنها يبطلها.

وعلى هذا جاءت كلمة كتاب في القرآن.فهي تعني النظام، اقرأ معي أول سورة النمل: (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ) إن الجمع بين كلمتي قرآن وكتاب يعني أن معناهما متغاير وإلا فكلمة قرآن حشو وعليه فإن كلمة الكتاب لا تعني القرآن ولكنها تعني النظام الذي تدل عليه كلمات القرآن وتدل عليه سائر الكتب المنزلة.

وإلا فقل لي لماذا قال الله عن عيسى في سورة آل عمران: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) [48] فماذا يعني الكتاب؟ هل يعني التوراة والإنجيل إذا كان الكتاب هو التوراة والإنجيل فلماذا كررها الله؟ إن التكرار يعني الإطناب المخل وهو معيب في علم البلاغة والقرآن أعلا درجات البلاغة فهل يصح أن يكون فيه ما يخل؟ كلا، إذن فالكتاب له في الآيات معنى آخر، فما هو هذا المعنى يا ترى؟

إنه النظام والانسجام فكأن الله يقول لنا: هذا نظام أردنا أن تعرفوه فقربناه لكم في ألفاظ معروفة وجعلناه لكم بلسانكم العربي المبين لتعقلوه وتعملوا بمقتضاه وميزانه.فلا تخلوا به ولا تطغوا في ميزانه ولتقوموا بالقسط بموجب بيانه: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) [الحديد:25](والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) [الرحمن:7و8و9].

ثم لنتأكد أن الكتاب هو النظام وأن القرآن هو الكلام الدال عليه نقرأ قول الله تعالى في أول سورة فصلت: (حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) [الآيات:1و2و3] فالنظام الإلهي للخلق فصلت آياته قرآنا مصاغا باللغة العربية للناس الذين يريدون أن يعلموا هذا النظام ويقتدوا به ويقيموا حياتهم على ميزانه ولهذا قال: (فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون) [فصلت:4]ثم ماذا؟ (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) أي أن عملهم سيظل على الانحراف والفوضى فلا يسمعوه ولا يعون ما يدعون إليه من النظام والاستقامة وهم قد حجبوا أنفسهم عما يراد لهم من العلم بهذا النظام والسلام. ثم تعال لنقرأ: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي) [فصلت:44].

إن هذه الآية تؤكد أن المراد بالقرآن هو الكلام ولهذا كان يمكن أن يكون أعجميا أي بلغة غير العربية ولكن الله أراده عربيا لنعقل، فالعربية هي لغة البيان لمن يعقلون، ولو أردنا أن نوضح سر بيانها لضاق المقام ولكنه معروف لمن أتقن علم البلاغة والبيان، وقرأ كتب الجرجاني ومن تلاه في بيان أسرار القرآن ودلائل الإعجاز.

وإذن فالحكمة والعلم لا تتضح إلا بهذا القرآن والهدى إلى الصراط المستقيم لا يتم إلا بهذا القرآن. (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) فحكمة الله وعلمه صيغت رحمة للعالمين وذكرا للناس أجمعين في هذا القرآن المنزل من رب العالمين بلسان عربي مبين ليعقله العالمون.

فلم يكن القرآن باللسان العربي المبين إلا ليعقله الناس ويفقهوا حكمة الله وعلمه ونظامه فيكونوا منسجمين مع موكب النظام المحكم وسائرين في حكمه . ثم إن هذه المعاني الربانية الرفيعة قد نزلت بلغات قوم آخرين: (وإنه لفي زبر الأولين) [الشعراء:196].(إن هذا لفي الصحف الإولى * صحف إبراهيم وموسى) [الأعلى:18و19].

Page inconnue