وبعد: أليس آخر السورة يؤكد بدايتها ويصل أولها بآخرها؟. وبعد: فإذا كانت السورة كما تعرف قد نزلت بعد معركة أحد فتعالوا معي نقرأ الآيات ونتدبر لنعرف أن السورة مترابطة الآيات وأن أولها متصل بما تأخر منها وأن ما عرضته السورة عن المعركة قد لاحت إليه الإشارات من أوائل الآيات، يقول الله: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار) [آل عمران:10].ثم يقول ليؤكد أن الكلام موصول: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب(11)قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد(12)) [آل عمران: 11-12] .بل ويزيد الموضوع وضوحا، والحدث عبرة واتعاضا، فيقول: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) [آل عمران: 13]. إنه إشارة إلى ما حدث في بدر قبل أحد وإنه لوعيد بأن ما جرى من التأبيد سيستمر من الله للمؤمنين ما داموا على طريقه الرشيد. أليس في هذه الآيات من أول السورة ما يؤكد أن الآيات الأولى متصلة بالمتأخرة، ولهذا أعاد الله الآية العاشرة هنا ولكن بصيغة تختلف قليلا عن الأولى فقال: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [آل عمران: 116].
وكما بدأت السورة بالحديث عن القرآن وما قبله من الكتاب فإن الحديث عنه والتذكير به يتواصل في سياق الآيات المتواصل فإذا الله يقول للنبي ومن معه في أواسط السورة ليؤكد أن الآيات متواصلة غير مبتورة، فاستمعوا ما يقول: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) [آل عمران: 84].ثم يعيد التأكيد على الموضوع ليزيدنا يقينا أن مسلسل الآيات غير مقطوع، فإذا آخر السورة نسخ بقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) [آل عمران: 187].
إنها تذكير بما سبق من قوله تعالى في البداية: (إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد).فأهل الكتاب هم المقصودون والمسلمون يجب أن يحذروا هذا الخسران المبين وأن لا يدعوا الإيمان وهم كاذبون، ولهذا يقول الله عن أهل الكتاب محذرا للمؤمنين بالكتاب: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) [آل عمران: 188]. وهكذا ينطلق المؤمنون أولوا الألباب متفكرين مسبحين مكثرين الاستعاذة بالله من النار، معلنين إيمانهم بما أنزل الله والاستغفار: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار(193)ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد(194)) [آل عمران: 193-194].أليس في هذا اتصال بما بدأته السورة وهو: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) [آل عمران: 7].(ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد) [آل عمران: 9].أليس هذا يدل أن الاتصال واضح كالشمس؟، وأن تواصل الآيات في الموضوع بين بلا لبس؟؟ هذه مجرد إشارات سريعة عن آل عمران، ولو استعرضنا تواصل الآيات في السور الطوال، لطال الوقوف، ولكن يكفي أن أقول أن القاري يستطيع أن يدرك ذلك بالسليقة وبالنظر المستبصر المتأني، لاسيما إذا كان خالي الذهن من المسلمات القديمة، وغير ها من الأقاويل التي لا تعتمد على حقائق قويمة، وإن كان لا بد من مرجع أدله عليه؛ فليقرأ مقدمات السور في كتاب العلامة سيد قطب المسمى (في ظلال القرآن) فإن فيه الشفاء والبرهان.
وعلى أي حال فإن هذه الإحالة لا تعني ترك القارئ الآن قبل الأوان، ولكني أدعوه معي إلى سور الثلث الثاني من القرآن. لنبدأ من الجزء الحادي عشر، وسنجد فيه وما يليه أهم السور: (يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر). ولنستأنس للدخول إلى هذه السور بسورة يونس: سنجد أن السورة تبدأ بقوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب الحكيم(1)) .ثم قوله: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين(2)).أولى الآيتين تشير إلى أن السورة فيها آيات الكتاب الحكيم فهي كتاب متكامل، إذن فالسورة آيات والكتاب حكيم، ولا يمكن أن يكون هناك كتاب إلا بآيات مرتبة الكتائب، منظمة بشكل صائب، متتابعة بأسلوب رصين. بهذا يصح أن يسمى كتابا وأن يسمى الكتاب حكيما، وإلا فكيف تلوح الحكمة من فقرات بلا اتصال، هذا لا يليق بذي الجلال. ثم إن الآية الثانية تستنكر أن يعجب الناس من وحي الله إلى رجل منهم لينذرهم ويبشرهم؛ وكيف لا وهو ربهم الذي خلق وقدر، واستمر يدبر الأمر!!فهو يعلم كل شيء ولا شفيع لديه فيما يدبر، إذن فالعجب العجاب ممن لا يتذكر. لا أحتاج هنا أن أورد على القارئ الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من الآيات التي تؤكد علمه بكل شيء في الأرض والسماوات، فالقارئ يمكن أن يعود إليها ويتدبرها ليجد الله محيط بكل شيء علما، وأنه أحكم حكما. ولهذا فإني أدعو القارئ إلى آخر السورة ليتأكد أن أول الآيات ينظر إلى الأخيرة، وأن آخرها يرتبط بأولها بطريقة منيرة. لنقرأ الختام، فإنه يشير إلى البداية بإحكام: (قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل(108)). أليس في هذا ما بيين لنا أن البداية تفتقر إلى النهاية والنهاية تؤكد البداية، ثم استعيدوا معي قوله تعالى في البداية: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس)، ثم قول الناس: (إن هذا لساحر مبين) ثم اقرأوا معي قوله تعالى في آخر السورة أو في الآية الأخيرة: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين(109)). أليس في هذا ردا على قولهم "إن هذا لساحر مبين" ثم على قولهم افتراء في وسط السورة؟؟بل إنه تثبيت للرسول الذي يتهم بالافتراء على الله، بل إن وسط السورة عدد من الآيات تدل على تواصل الآيات بلا انقطاع، ونكتفي منها بالآيتين 37 و38 من السورة، التي يقول الله فيهما: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين(37)). (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين(38)). وهكذا يتواصل الحديث عن القرآن والرسول حتى الآية 44، التي تذكرنا أن السورة متواصلة الموضوع، وأن الحديث غير مقطوع، بل إن الجزء قبل الأخير من السورة يشير إلى أن الحديث موصول الآيات، كاتصال الرسول بربه منزل الآيات، وكتواصل الرسل السابقين واللاحقين والرسالات. يقول الله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين(94)). (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين(95)).
إذن فالحق قد جاء والشك في تواصل الآيات يجب أن يلغى، والخسران والعذاب عاقبة من ادعى أن القرآن مفترى، وهو مصير من جادل وافترى. أليس في هذا ما يؤكد لكم بأن السورة بدأت آياتها ثم تواصلت حتى النهاية، وأن موضوعها متتابع البيان بحكمة ودراية، تليق برب العالمين العليم بكل بداية ونهاية، والذي خلق كل شيء لغاية، فهو الحق الذي يقول الحق، وقوله يتواصل حتى الكمال، كما يتواصل الخلق حتى الاكتمال. فهذا هو اللائق بالله ذي الجلال والإكرام، وهو الجدير بالحكيم العلام، وبهذه الحكمة وبهذه الخبرة، أنزل ما يلي هذه السورة، وهي سورة هود، لنقرأ البداية ثم نتأمل النهاية: يقول الله: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير(1)).فهوالحكيم الخبير الذي أنزل هذا الكتاب المنير، وهو على كل شيء قدير، ولتأكيد هذه الصفات ولتأكيد تواصل الإنزال والآيات؛ يقول في الآية 12 مخاطبا الرسول الذي أوحي إليه التنزيل: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل(12)). إن من هو على كل شيء وكيل، لا بد أن يواصل آيات السور في التنزيل، حتى يكتمل البيان فيها والأحكام والتفصيل، ولكي تكون على يقين أن السور تنزل كاملة، لتقرأ الآية التالية، فإن فيها الدليل المبين: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين(13)فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون(14)).
وأنا أقول لكم أيها القراء: هل أنتم مسلمون الآن أن السور كانت تنزل كاملة الآيات والبيان؟.ها هو الله يتحدى الكاذبين المتهمين للرسول بالافتراء فتحداهم بعشر سور لا بعشر آيات، أليس في هذا ما يؤكد أن السور كانت تتواصل من البداية حتى النهاية؟؟ بلى بلى. وكيف لا وقد تنزل بعلم الله!! وعلم الله محيط بكل شيء وهو لا سواه الإله. بل إن الله سبحانه يذكرنا في هذه السورة، ويورد التذكير بصورة منيرة، فبينما هو يقص علينا قصة نوح إذا به يقطع الحديث عن نوح ويعود إلى القرآن متحدثا بجملة وآية معترضة ومنها التحدي يلوح، فيقول معيدا لنفس السؤال القبيح: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون(35)).فالمجرمون هم المدعون أن النبي افترى، أما هو فقد بلغ ما ربه إليه أوحى، نعم لقد أوحى إليه كما أوحى إلى نوح من قبله، ولهذا تأتي الآية التالية عائدة إلى نوح، توكد على الوحي الذي لا مراء فيه ولا امتراء، فيقول: (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون(36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون(37)). فإذا كان الله قد أوحى إلى نوح كيف يصنع، واستمر الوحي بأعين الله حتى اكتمل العمل بلا انقطاع، فكيف لا يوحي إلى محمد كيف يقول !! وكيف لا يتواصل التنزيل وتتوالى الآيات بتنزيل وتفصيل أليس هو الحكيم الخبير!!أليس هو الذي أحكم الآيات ثم فصلها للإنذار والتبشير!! أليس هو على كل شيء قدير؟؟بلى. وعلى هذا استمرت السورة تقص وحي الله للرسل ونصرة لمن آمن وشكر، وتدمير من كذب وكفر، حتى تصل إلى قوله تعالى في أواخر السورة: (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد(100)). إنه إجمال لما فصل، وتذكير بأن الله يعلم الماضي والمستقبل، وتتواصل الآيات إلى الآية رقم (120) وفيها يقول الله الأجل: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين). إن كلمة (هذه) في الآية تؤكد أن السورة تواصلت آياتها حتى وصلت إلى هذه الآية وما يليها. وما هو الذي يليها أيها الكرام؟ إنه ثلاث آيات فقط ويحين الختام، فاقرأوا باهتمام، وكونوا من أولي الأفهام، يقول الملك العلام: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون(121)). هكذا يكون الاطمئنان بالله الحكيم، الذي إليه المرجع وهو بكل خلق عليم. ولهذا فإنه يختم السورة بصفات تؤكد الصفات التي بدأت بها، فهو الحكيم الخبير في البداية، أما في النهاية فهو كما يقول: (ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون(123)). أليست هذه الآية تتصل بقوله تعالى في البداية (من لدن حكيم خبير)، ثم قوله: (إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير(4))، أليست الذي يصف نفسه بقوله: (وما ربك بغافل عما تعملون) هنا، هو الذي يتطابق مع وصفه هناك بقوله: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور(5)). أليس من له غيب السماوات والأرض هنا هو الذي يوصف بقوله هناك: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين(6)). أليس الذي قال (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) هناك هو الذي يحكي هنا (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين(120)).
أخيرا: أليس ما أوردته لكم في هذه السورة يوضح البيان ويفصح عن كمال الصورة؟؟أليس الحكيم الخبير هو الذي بالبيان والحكمة جدير؟، وهو الذي ومنه تتواصل الآيات، حتى يكتمل التفصيل ويشع التنزيل؟.بلى بلى ، إن هذا هو الحق الذي لا يختلف عليه أحد، ولا يماري فيه إلا من للفهم افتقد، وعلى الخرافات والأساطير اعتمد، وعن البحث والمعرفة قعد، حتى اختل فهمه وفسد.
ومن سورة هود نقفز بكم سريعا إلى يوسف الذي تبدأ سورته بالسجود، ولست بحاجة إلى تأكيد تواصل آياتها وترابط أحداثها، من بدايتها حتى نهايتها، فذلك معروف لمن قرأها بإتقان، وتدبرها بإمعان، ولا يشك في ذلك إلا خاسر الرهان. فها هي تبدأ بقوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب المبين(1)إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون(2))، ويأتي في أواخرها قوله تعالى عن القرآن: (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين(104))، فالضمير هنا في آخر السورة يعود إلى القرآن المذكور في أولها، أليس هذا يدل على تواصل الآيات وترابطها؟. ثم إن الله يقول في آيات البداية: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين(3)). ثم تبدأ القصة بقوله تعالى: (إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين(4)).
ويأتي في الختام ما يشير إلى البداية بكل وضوح، فيقول عن يوسف: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء)، ثم إن هذا الآية تختم بقوله تعالى: (إنه هو العليم الحكيم(100))، وهو نفس ما ختمت الآية رقم (6) في أولها، وأبوه يبشره برؤياه ويقول (إن ربك عليم حكيم)، ثم ها هي الآية رقم 7 تقول في أول السورة: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين(7))، ثم تأتي الآية رقم 102 في آخر السورة فتقول (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون(102))، فتؤكد لنا أن السورة أنزلت كاملة من البداية حتى النهاية بل إنها ختمت بآية تدل على أن قصص الأنبياء جميعا تأتي كاملة مفصلة، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون(111)).
أما سورة الرعد فهي كلها عن القرآن من أولها إلى آخرها وهي كلها تؤكد رسالة محمد وتعلن أن (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون(1)). ثم تأتي الآيات التي تؤكد أن الإنزال من الله فإذا بها تورد عددا من صفات الله وقدرته وحكمته ورحمته وأن الحق في دعوته فمن دعاه أجاب، (له دعوة الحق (14)) ثم (قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار(16)) وعلى هذا فمن استجاب لله فاز بالحسنى، ومن لم يستجب فله لظى، كيف لا والمستجيب عنده العلم الحق، والمكذب أعمى في ظلام مطبق. (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب(19)). ثم تأتي الآيات التي تصف العليم بالحق المنزل حتى تصل إلى قوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب(28))، وتستمر الآيات تؤكد أن الرسول أرسل ليتلو هذا الكتاب وأن هذا الكتاب منزل ممن (هو قائم على كل نفس بما كسبت (33))وأن هذا الكتاب المنزل حكما عربيا هو الحق الذي لا ينكره إلا ذو الغواية، فلماذا يطلب الناس سواه آية، كلا فلا آية إلا بإذن الله، وما على الرسول إلا البلاغ، فإذا بلغ فقد ثبتت الحجة لله على الناس وأصبح المكذب مستحقا للعذاب في الوقت المناسب فالله عنده (لكل أجل كتاب)، وهكذا تستمر السورة متحدثة عن القرآن حتى تختم بقوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب(43)). لقد بدأت السورة بقوله : تلك آيات الكتاب، وانتهت بكلمة الكتاب، فهل بعد هذا يكون في نزولها كاملة ارتياب؟. وكذلك سواها من السور الصغار والكبار كلها تتنزل كاملة بلا انبتار، قل لي أيها القارئ، ما معنى (رتل) بسكون الباء، وأرتال؟ إنه يعني مجموعة من الناس متراتلين متواصلين سائرين جميعا، وهكذا هو القرآن (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)، أي أن الله يجمع الآيات أرتالا فتكون مجموعة في سورة كاملة.
Page inconnue