جبل الأولمب هو مستقر الآلهة الذي يقف راسخا إلى الأبد، لا تهزه الرياح ولا تخضله الأمطار ولا يسقط فوقه الجليد، وإنما يمتد الهواء صافيا وبلا غيوم، وفوقه يحوم بياض مشع. هنا يمضي الآلهة المباركون كل أيامهم في سعادة. (الأوديسة، 6، 42-46)
يتساءل كل قارئ معاصر لقصائد هوميروس: «هل آمن اليونانيون حقا بتلك الآلهة التافهة؟» دعونا أولا نسأل كيف تناول الأبطال الهوميريون أنفسهم الآلهة في ديانتهم. تظهر أمثلة عديدة كيف أن الديانة الهوميرية لم تعول كثيرا على علاقات متبادلة مع الآلهة بقدر ما اعتمدت على الممارسة السليمة للشعائر التقليدية. فمثلا، عندما يقدم أوديسيوس متنكرا إلى كوخ راعي خنازيره المخلص إيومايوس، يذبح إيومايوس خنزيرا قربانا (الأوديسة، 14، 420-453). «ولم ينس الآلهة الخالدة؛ لأنه كان ذا عقل راجح.» فيجز أولا شعر الخنوص ويلقي به في النار، «لجميع الآلهة». وبعد أن ينحر البهيمة، يقتطع قطعا سميكة ضخمة من كل قوائمها ويضعها في النار قربانا، ويضع فوقها شعيرا. وعندما يقسم اللحم، يخصص قسما «للحوريات ولهيرميس». وأخيرا، قبل أن يأكل، يحرق «أولا قرابين الآلهة الخالدة». لا يخبرنا هوميروس مطلقا عمن هم الآلهة الموجه لهم معظم القرابين، ولا عن السبب في تخصيص قسم واحد فقط لهيرميس والحوريات، ولا عن السبب وراء كون هؤلاء الآلهة مناسبين في هذا المقام ولا عن الكيفية التي يتلقون بها القسم المخصص لهم على وجه التحديد.
على نفس المنوال، في المشهد الافتتاحي لملحمة «الإلياذة»، ومن أجل تسكين غضب أبولو وإيقاف الطاعون، يخلي اليونانيون سبيل خريسيس ابنة كاهن أبولو ويسلمونها إلى أبيها خريسي، ثم يقدمون قرابين ويطهرون الجيش عند طروادة (الإلياذة، 1، 313-317)، ثم يقدمون قرابين مجددا ويرقصون ويغنون أنشودة الشكر (تسبيحة لأبولو) عند الموضع المسمى خريسي (الإلياذة، 1، 430-487). «وسمعهم الإله وسعد»، وأرسل ريحا مواتية، على الرغم من أننا نعرف من ثيتيس أن زيوس وكل الآلهة الآخرين في نفس هذا الوقت يتناولون الطعام وسط الإثيوبيين المباركين (الإلياذة، 1، 423-424). وينبعث الدخان الناتج عن حرق القربان «إلى السماء»، كما لو كان موضع وجود أبولو الفعلي غير ذي أهمية. يقوم الدين على الأفعال والممارسات، والقرابين هي شكل الفعل الذي يتخذه الدين بين الأبطال الإغريق، في حين تظل علاقة الآلهة الدقيقة بالشعائر غامضة أو متضاربة. مجددا، عندما يعيد أجاممنون بريسئيس محظية آخيل، يقسم أنه لم يلمسها ولكي يؤكد قسمه يقدم خنزيرا قربانا (الإلياذة، 19، 250-256). ولا يقال لنا لأي إله قدم قربانه؛ فما يهم هو الفعل نفسه.
إذن من ناحية يوجد السلوك الديني للأبطال، ومعاصري هوميروس دون شك، وهو السلوك الذي يتمثل في ذبح البهائم لإقامة علاقات طيبة مع القوى الخفية التي تحيط بنا، أيا ما كانت. إن أشكال القربان هي أمر محلي، ولكن تقديم القرابين لإرضاء الأرواح قد يكون أمرا جامعا في الديانات القديمة للبشرية (فلا تزال قدرة القربان على الاسترضاء عقيدة كنسية محورية في المسيحية).
ومن الناحية الأخرى، يطرح هوميروس علينا رؤية أدبية تماما لعائلة الآلهة الذين يعيشون على جبل ويتصرفون كأنهم بشر أرستقراطيون، عدا أنهم لا يمكن أن يموتوا. وهذه الرؤية الأدبية للعالم الإلهي هي في الأصل رؤية شرقية. ففي بلاد ما بين النهرين يهيمن إله الريح إنليل (مثل زيوس) على عائلة وبلاط أحيانا ما يفسد فيهما إله الماء إنكي (مثل بوسيدون وهيرميس) عليه متعته، كما تمارس إلهة الجنس والحرب إنانا/عشتار (مثل أفروديت وأثينا) حيلها وسلطتها، وفي إحدى القصص تتحدى سلطة شقيقتها ارشكيجال، إلهة الموت (مثل بيرسيفوني). تدخل الآلهة الإغريقية الحرب لمساندة البشر، وفي ملحمة بعل الأوغاريتية السامية الغربية، نجد الإلهة أنات (المكافئة للإلهات إنانا/عشتار/عشتروت).
تشرع في ضرب خصومها في الوادي؛
لتهاجمهم فيما بين المدينتين.
وتضرب الناس الذين يستوطنون شاطئ البحر،
وتنزل الدمار على البشر الذين يقطنون في الشرق.
تحتها رءوس كالكرات،
Page inconnue