spr
أو ما تفيده كلمة
lmd ، إلا أنه يبدو أن خاتمة الناسخ تميز بين «مؤلف» النص الخرافي، وهو أتانو، وبين «مدون» النص إيلي مالكو، وهو إجراء ليس له مثال في أي تقليد كتابة أقدم. يبدو أن أقدم استخدام موثق للكتابة السامية الغربية، «الأبجدية المسمارية»، السلف المباشر للأبجدية اليونانية، هو تدوين نص أدبي عن طريق الإملاء!
ومع ذلك فإن النبي إرميا كان يملي على كاتبه باروخ (سفر إرميا، الإصحاح 36: 18)، ولعل كل النصوص القديمة لما صار العهد القديم هي نتاج إملاء. وهذا التركيز الغريب في الكتابة السامية الغربية على العناصر الصوتية الخالصة والصعبة النطق في ذات الوقت، الذي أدى إلى تعذر تعلمها إلا بواسطة شخص كان يتكلم اللغة، قد يعكس أصل هذه الكتابة الذي يعود إلى ممارسة الإملاء كوسيلة للتأليف. فالمؤلف يتكلم، والناسخ يعبر عن الأصوات بأفضل ما يستطيع. وبهذه الطريقة يمكنك أن تكتب أي شيء يمكنك قوله (ولم يكن ذلك هو الحال في حالة كتابة بلاد ما بين النهرين المسمارية ولا الكتابة الهيروغليفية المصرية)، طالما وجد سياق كاف لمن كانت تلك اللغة هي لغته الأم وكان ملما بالقراءة والكتابة ليعيد تشكيل المضمون. إذا طبقت النظام السامي الغربي لتدوين البيت الأول من «الإلياذة» بهذه الطريقة، وفصلت بين الكلمات بالاستعانة بالنقط كما كان الفينيقيون يفعلون، بالنقل الحرفي لترجمة البيت الفينيقية بحروف لاتينية فسيبدو البيت الأول هكذا:
MNN•D•T•PLD•KLS
وسيبدو البيت بالأبجدية اليونانية (إذا ما نقل نقلا حرفيا بحروف لاتينية) هكذا:
MENIN AEIDE THEA PELEIADEO AKHILEOS .
وفي حين أن النظام السامي الغربي للكتابة كان يتبع نهجا سائدا في اللغات السامية الغربية، التي تستند كلماتها - وإن اختلفت من ناحية الصوت والوظيفة النحوية - إلى هيكل ثابت من حروف ساكنة ، إلا أنه ببساطة لم يناسب الشعر اليوناني، المفعم بأصوات حروف العلة (الحروف المتحركة) المتقاربة التي تنشئ الإيقاع الشعري. وبالاستناد إلى مكتشفات الكتابات الشعرية سداسية التفعيلات بالغة القدم وغير المتوقعة، يمكننا القول أن الأبجدية اليونانية كانت منذ البدء تستخدم لهذا الغرض فقط، وهو تدوين رموز إيقاعات التفعيلات السداسية اليونانية.
ولعل أحد الساميين ممن يجيدون لغتين، والملم بالكتابة السامية الغربية ووريث التقليد العريق المتمثل في إنشاء نصوص عن طريق الإملاء، قد حاول لأول مرة تدوين رموز أغنية يونانية. وبإجرائه تعديلات فنية على الكتابة السامية الغربية حتى تستوعب أصوات الكلام اليوناني المختلفة تماما، وضع نوعي الرموز وقاعدة التهجئة التي لا تنتهك، وهو ما يسر إمكانية تدوين نص القصائد الهوميرية. لقد اخترع أول أبجدية حقيقية، أول كتابة في مقدور شخص غير ناطق بتلك اللغة أن ينطقها، وهو نظام صار هو السائد في وقتنا الحاضر في الكوكب بأسره ووجه الحضارة البشرية في اتجاه معين. وأعرب كثيرون عن اندهاشهم من أن أداة بهذا القدر من الفاعلية قد نبعت من إطار جمالي وليس اقتصاديا؛ بيد أنه توجد براهين قوية على أن الأمر حدث على ذلك النحو. وعلى الرغم من أن جهاز الكمبيوتر قد اخترع بهدف التنبؤ بالمواضع التي من شأن قذائف المدفعية أن تسقط فيها، فقد أدى فيما يبدو إلى ظهور استخدامات أخرى. (7) الإنشاد الشفاهي يصبح نصا مكتوبا
كان باري مهتما بالشعر الشفاهي بوصفه تراثا حيا نابضا، بيد أن قصائد هوميروس ليست قصائد شفاهية؛ وإنما نصوص مكتوبة، متمثلة في ملحمتي هوميروس عند علماء فقه اللغة. إن القصيدة الشفاهية هي مناسبة عامة (حدث جماهيري)، فهي أداء يجري أمام جمهور، عادة ما يكون صغيرا، ويتضمن الكثير والكثير من الموسيقى، وتعبيرات الوجه، والإيماءات المعبرة، وتفخيم نبرة الصوت، ولغة الجسد، والتكيف التلقائي مع مزاج الجمهور. ويعطينا هوميروس ذاته صورة حية للشاعر الشفاهي، أو المنشد الملحمي، وأغنيته الشفاهية في «الأوديسة» التي يؤنس فيها مغن يدعى فيميوس (وتعني «الرجل الشهير») الخطاب في بيت أوديسيوس، ويبقي منشد آخر اسمه ديمودوكوس (ويعني اسمه «الذي يدخل السرور على الناس») البلاط الملكي لجزيرة فياشيا في إنصات مستغرق، حيث يقص أوديسيوس خبر رحلته الغريبة. يتمتع المنشد الملحمي بحضور طاغ قوي وشخصية قيادية في البلاط الملكي ويعطي للحياة ثراء ومعنى مميزين، كما يبين أوديسيوس:
Page inconnue