129

panta rei )؛ لذا لا تستطيع أن تنزل في نفس النهر مرتين. يبدو أن أفلاطون يمازح سلفه، الذي أراد استبعاد هوميروس من المنافسات، بأن يعثر على فلسفة هرقليطس ذاتها في شعر هوميروس! إن هذه الحجة تماثل حججا كثيرة ذاعت في القرن الخامس قبل الميلاد مفادها أن كلمات الشعراء تحتوي على «فكر باطني» (

hyponoia ) يمكن للمرء أن يعرضه؛ بحلول حوالي عام 525 قبل الميلاد كان شخص اسمه ثياجينيس الريجي (من مدينة ريجيوم التي كانت تقع في الطرف الأدنى لإيطاليا) قد فسر بالفعل التصويرات الهوميرية للمعارك على أنها كنايات عن اضطرابات جوية.

لم يواصل أرسطو (حوالي 384-322 قبل الميلاد) تشويه أفلاطون لسمعة هوميروس ، وإنما كان أول من جمع مجموعة من «المسائل الهوميرية» أو المعضلات، الموجهة نحو الكلمات الصعبة، ونقاط التحول في الحبكة، مصحوبة ب «حل » لكل معضلة. فقد العمل، ولكن بعضا منه ربما يكون قد بقي على هيئة ملاحظات هامشية لدى المعلقين القدماء. لقد ابتكر أرسطو نوعا جديدا من البحث، يعتبر هذا الكتاب تابعا بعيدا له، وهو التعليق الهوميري.

أنشأ زينون الرواقي (من مدينة سيتيوم في قبرص، حوالي 333-264 قبل الميلاد) المدرسة الفلسفية التي يطلق عليها اسم المدرسة الرواقية (ومن هنا جاءت تسمية اتباعها بالرواقيين)؛ لأن زينون كان يدرس في أثينا أثناء سيره جيئة وذهابا في الرواق المطلي المطل مباشرة على الساحة العامة. ونقح، إما هو وإما أتباعه، التأويل المجازي للشعر الهوميري إلى حد كبير؛ فقد اعتبروا أن الشعر الهوميري وأشعارا ملحمية أخرى، وخاصة أسماء الشخصيات الملحمية، بمثابة المستودع لحقائق عميقة عن الواقع والطبيعة البشرية، تلك التي في مقدور التأويل المجازي أن يكشفها. على سبيل المثال، عندما يقتل أبولو اليونانيين بسهامه في الكتاب الأول من «الإلياذة»، فإن المشهد في الحقيقة يصف أثر طاعون (ومكافئه السهام) انتشر عن طريق حرارة الشمس (التي تكافئ أبولو). إن هوميروس يقدم لنا «تعبيرا فلسفيا عن ظاهرة طبيعية» (حسب كاتب من القرن الثاني الميلادي، يحمل أيضا اسم هرقليطس، 16، 5). فدرع آخيل، الذي صنعه هيفايستوس، هو مجاز عن خلق الكون. الآلهة أيضا يمثلون صفات أخلاقية؛ فأثينا هي الرشد، وآريس هو الشجاعة، وأفروديت هي الرغبة. وحسب المذهب الرواقي، يمكن لاشتقاق الأسماء («التأويل الصحيح لها») أن يكشف طبيعتها الداخلية:

ترمز إيريس [من

eiro

أي «يقول»]، رسولة زيوس ومبعوثته، إلى اللغة «التي تتكلم»، مثلما أن هيرميس [من

hermeneuo «يؤول»] يرمز إلى اللغة «التي تؤول». كلاهما رسول من الآلهة، واسماهما لا يعنيان إلا ملكة التعبير عن الأفكار عن طريق الكلام. (هرقليطس، 28، 2، القرن الثاني الميلادي)

من المؤكد أن وسائل التأويل هذه تطمس المعنى الحرفي، مما يمكننا من القضاء على أي أثر للانحراف الأخلاقي من القصائد، حتى يتسنى لنا في كلا العملين أن نسمع صوتا يتكلم بسلطة أخلاقية.

ولكن التفسير الرواقي الذي غالبا ما يكون تخيليا لم يتصد حقا للاعتراضات الأفلاطونية على القصائد الهوميرية؛ لأن أفلاطون لم يرغب في أن يدخل هذه الحكايات الباطلة/التخيلية عن الآلهة إلى منهجه التعليمي «سواء أكانت مجازية أم لا» (كتاب «الجمهورية» 378د). (2) هوميروس والشعراء

Page inconnue