لا يمكن لأربعة رجال، ثلاثة منهم لم يخوضوا قتالا أبدا، واثنان منهم من العبيد، أن يأملوا في التغلب على 120 رجلا إلا إذا كانوا عصابة من الجبناء والشباب الغض. تنفد السهام ويبدأ القتال بالرماح. يجلب تليماك، الذي ذاق سفك الدماء لأول مرة بقتله لرجل بالرمح من الخلف، دروعا من غرفة التخزين. في هذا المشهد نواجه أكبر أشكال البلبلة فيما يتعلق بتصميم منزل أوديسيوس؛ إذ رغم أن أوديسيوس واقف على العتبة، نجد الخادم الخائن ميلانثيوس/الأسود يصعد إلى الأعلى بطريقة ما وينزل دون أن يراه أوديسيوس. لا بد وأن غرفة بينيلوبي بالطابق العلوي، على ما يبدو أنها قبالة نفس الطرقة التي تقع بها غرفة التخزين. يوجد أيضا باب خلفي للقاعة يبدو أنه يؤدي إلى الساحة الخارجية، أو المساحة ما بين المنزل وسور الساحة الخارجية، التي يؤدي باب خلفي عبرها إلى خارج المدينة. يؤمن إيومايوس هذا الباب الخلفي أثناء الجزء الأول من المعركة. أيا كان الأمر، يحتجز فيلوتيوس وإيومايوس ميلانثيوس في غرفة التخزين ويربطان يديه وقدميه معا من أجل التمثيل به لاحقا. لا يمكن لأي شيء يحيق بهذا الوغد الأشر أن يكون بالغ السوء.
كانت أثينا، وما زالت، هي من يتحكم بالأحداث في القصيدة (عدا في المغامرات)، ولقد وعدت بمساندة بطلها المفضل في وقت حاجته. في هذا المشهد تظهر لفترة قصيرة في هيئة منتور، مستحثة أوديسيوس أن يبذل جهدا أكبر وهي تحول عنه رماح الخطاب، الذين كان ميلانثيوس قد سلح اثني عشر منهم بدروع من غرفة التخزين. ومع ذلك، لا بد على ناهب المدن، الرجل المتعدد القدرات، الرجل الواسع الحيلة، أن يتحمل وطيس المعركة، وأن يتحمله ابنه الذي كان صبيا ذات يوم ولكنه الآن صار رجلا.
وبأسلوب ساحر، يجعل هوميروس تليماك يبقي على حياة المنشد الملحمي فيميوس، الذي يعد انعكاسا ذاتيا لهوميروس في القصة، والذي أجبر على أن يغني مقهورا، والذي يتوسل للإبقاء على حياته قائلا:
أستعطفك يا أوديسيوس وأنا جاث عند ركبتيك، وأسألك أن تبدي لي احتراما ورحمة؛ إذ سوف تصاب نفسك بحزن فيما بعد إن أنت قتلت «المنشد»، أعنيني أنا، الذي يغني للآلهة وللبشر. لقد علمت نفسي بنفسي وغرست الآلهة في فؤادي كل صنف من صنوف الأنشودات. إني على استعداد أن أغني لك كما لو كنت إلها. لذا لا تتعجل قطع رقبتي. (الأوديسة، 22، 344-349)
وفيما عدا ذلك، لم يعف عن أي أحد إلا «المنادي»، الذي يشبه نوعا ما الساعي.
تجبر اثنتا عشرة وصيفة عديمة الوفاء (من المرجح أن من بينهن ميلانثو) على تنظيف الفوضى. فيسحبن الجثث ويكدسنها في كومات في الساحة، التي كانت منذ الصباح مجزرا وصارت الآن مستودعا لحفظ جثامين أرقى النبلاء المحليين. ويأمر أوديسيوس ابنه بقتل الوصيفات بحد السيف، ولكن في مشهد ينطوي على قسوة بالغة يشنقهن تليماك تباعا في حبل سفينة مربوط بعمود وببناء دائري مقبب في الساحة لم يذكر من قبل. من هذا الحبل كن يتلوين وينتفضن، «ولكن ليس لوقت طويل» (22، 473). لم يفسر أي عمل إبداعي الكيفية التي جرت بها عملية الإعدام هذه، ولكن غموضها الشديد ومباغتتها يزيدان من هولها. يأمر أوديسيوس بأن يحرق كبريت في القاعة. فالأشباح والأرواح الشريرة، التي يرجح وجود قدر كبير منها يحوم في الجوار، تبغض الكبريت وتنفر منه. (23) مشهد «التعرف بين أوديسيوس وبينيلوبي» (الكتاب 23)
إن روح الدعابة الساخرة لدى هوميروس قوية في تقديمه لبينيلوبي التي تكون في بعض الأحيان بلهاء، وتبدو عليها الحماقة في الظاهر فقط، والتي كانت شخصيتها الظاهرية التي تتمثل في كونها شخصا لا يولي اهتماما كبيرا بما يجري عنصرا رئيسا في نجاتها لوقت طويل في ظروف خطرة. سابقا، عندما أوقعت أوريكليا الإناء البرونزي الكبير في الرواق المظلم، لم تلاحظ بينيلوبي أي شيء، والآن توقظها أوريكليا في مخدعها من إغفاءة كانت أهدأ إغفاءة حظيت بها منذ أعوام. تنقل إليها أوريكليا النبأ المذهل. بينما كانت تهنأ بنومها، عاد زوجها إلى البيت وقتل الخطاب. لا هذا الفعل، ولا رواية الندبة يقنعان بينيلوبي الحذرة والماهرة في الخداع.
إن تليماك، الذي بدأ القصيدة بالشكوى من مسلك أمه، يدعوها الآن متحجرة القلب، فمن ذا الذي يجلس إلى جوار زوجها الذي غاب طويلا ولا يرى أنه هو. يتركهما وحدهما، وعندئذ ترضى بينيلوبي بأن هذا الرجل، أيا من كان ، بالتأكيد ليس زوجها، يمكنه أن ينام في سرير أوديسيوس، وسوف تجلبه أوريكليا على الفور. بهذه الأمارة تخادعه بينيلوبي حتى يكشف عن هويته الحقيقية؛ فهو من صنع السرير بنفسه ومكانه الوحيد كان شجرة زيتون مزروعة في الأرض. لا بد إذن أن أرضية حجرة نوم القصر من التربة المضغوطة وأنها في الطابق الأرضي - في حين أن غرفة بينيلوبي في الطابق العلوي - بيد أن موقعها بالنسبة إلى القاعة الرئيسية غير واضح.
وبعد أن تعرفت عليه زوجته أخيرا، يأوي أوديسيوس مع بينيلوبي إلى الفراش لمطارحتها الغرام، بينما فيميوس يعزف وتليماك، وإيومايوس، وفيلوتيوس، والخادمات المخلصات يرقصن في البهو. سوف يظن المارة أن زفافا يعقد، كما هو الحال في واقع الأمر؛ فبينيلوبي قد عقد قرانها مجددا على رجلها الحقيقي. وبينما هما في الفراش يجمل أوديسيوس مغامراته في أعالي البحار، مختزلا مع ذلك عامه في فراش سيرس إلى أن «بعد ذلك روى كل حيل ومكر سيرس ...» (الأوديسة، 23، 321).
ارتأى بعض المعلقين، القدماء والمعاصرين، أن «الأوديسة» في الأصل انتهت عند البيت 296 من الكتاب الثالث والعشرين باجتماع شمل الزوج والزوجة، ولكن لا تزال أمور كثيرة جدا معلقة دون حل على ذلك؛ فعلى الرغم من أن أوديسيوس الآن زوج لزوجته وأب لابنه وسيد لمنزله، فإن كونه ابنا لأبيه وملكا مورثا للبلاد لم يتم بعد. وتحقيقا لهذه الغاية، صبيحة اليوم التالي، يسبغ هو وتليماك والآخرون عليهم من الدروع ويلتقطون الرماح لمواجهة الخطب الذي لا بد وأنه آت بلا ريب. (24) «الخطاب في العالم السفلي» (24، 1-204)، ومشهد «التعرف بين أوديسيوس وليرتيس» (24، 205-411)، و«أوديسيوس ملك إيثاكا» (24، 412-548)
Page inconnue