Hulal Sundusiyya
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
Genres
248
في ركوب بحر الظلمات، ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، كما تقدم ذكرهم، ولهم بمدينة لشبونة بموضع من قرب الحمة، درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلى آخر الأبد. وذلك أنه اجتمع ثمانية رجال، كلهم أبناء عم، فأنشأوا مركبا حمالا، وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح
249
الشرقية فجروا بها نحو من 11 يوما، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج، كدر الروائح كثير التروش
250
قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلاعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية الجنوب 12 يوما، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل، وهي سارحة لا راعي لها، ولا ناظر إليها، فقصدوا الجزيرة فنزلوا بها، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري، فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها، فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب 12 يوما إلى أن لاحت لهم جزيرة، فنظروا فيها إلى عمارة وحرث فقصدوا إليها ليروا ما فيها، فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك، فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دار، فرأوا رجالا شقرا زعرا شعور رؤوسهم شعورهم سبطة، وهم طوال القدود، ولنسائهم جمال عجيب، فاعتقلوا منها في بيت ثلاثة أيام، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفي ما جاءوا، وأين بلدهم، فأخبروه بكل خبرهم، فوعدهم خيرا، وأعلمهم أنه ترجمان الملك، فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك، فسألهم عما سألهم عنه، فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس: من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب، ويقفوا على نهايته. فلما علم الملك ذلك ضحك، وقال للترجمان خبر القوم أن أبي أمر قوما من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهرا، إلى أن انقطع عنهم الضوء، وانصرفوا من غير حاجة، ولا فائدة تجدي. ثم أمر الملك الترجمان أن يعدهم خيرا، وأن يحسن ظنهم بالملك، ففعل. ثم صرفوا إلى موضع حبسهم، إلى أن بدأ جري الريح الغربية، فعمر بهم زورق، وعصبت أعينهم. وجري بهم في البحر برهة من الدهر. قال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها، حتى جيء بنا إلى البر، فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار، وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال، من شدة الأكتاف، حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بأجمعنا فأقبل القوم إلينا، فوجدونا بتلك الحالة السيئة فحلونا من وثاقنا، وسألونا فأخبرناهم بخبرنا، وكانوا برابر، فقال لنا أحدهم: أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم؟ فقلنا: لا. فقال: إن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين. فقال زعيم القوم وأسفى! فسمي المكان إلى اليوم «أسفى». وهو المرسى الذي في أقصى المغرب، وقد ذكرناه قبل هذا. ومن مدينة لشبونة
Lisbonne
251
مع النهر إلى مدينة شنترين
Santaren
Page inconnue