Hulal Sundusiyya
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
Genres
ثم نقل عن بطليموس قوله: لما انقسمت دائرة البروج بأربعة أقسام، وهي المثلثات، لأن كل قسم منها ثلاثة أبراج، على طبيعة من الطبائع الأربع، التي هي النار والأرض والهواء والماء، انقسم عامر الأرض بأربعة أقسام، كل قسم منها منسوب إلى قسم من المثلثات في الطباع، لأن كل محيط بطبع ما أحاط به على قدر طبيعته (إلى أن يقول) فلما كانت هذه الأشياء كذلك، كان موضع سكناها ينقسم إلى أربعة أرباع متساوية في العدد للمثلثات، ثم أتى على ذكر الربع المنسوب إلى «أوروفة» - يريد بها أوروبا - فقال: إن الأمم الكلية التي تسكن في هذه الأجزاء هي أهل بلاد الصقالبة وبلاد برطانية وغالاطية وجرمانية وباسترانية وإيطالية وغالية وأبولية وطورينية وقلطيقة وسبانية (إلى أن قال) عن طبائع أهل هذه البلدان: يجب أن يكون أهل هذه البلدان، في أكثر الأمر، بسبب رئاسة هذا المثلث، وبسبب الكواكب التي تشترك في تدبيره، غير خاضعين، محبين للحرية والسلاح والتعب، محاربين، أصحاب سياسة ونظافة ، كبار الهمم، ولما كان المشتري والمريخ مشتركين فيهم، إذا كانا في الحال المنسوبة إلى العشيات، وكانت الأجزاء المتقدمة من هذا المثلث مذكرة، والمتأخرة مؤنثة، عرض لهذه الأمم ألا يكون لهم غيرة في أمر النساء (إلى أن يقول): وأما بلاد إيطالية منها وبلاد أبولية - يريد نابولي - وبلاد غالية - جنوبي فرنسا ووسطها - وبلاد صقيلية، فإنها تشاكل الأسد والشمس ولذلك صار سكانها أصحاب سياسة، وأصحاب اصطناع المعروف، وأصحاب مؤاساة. وأما بلاد طورينية منها وبلاد قالتقي - يريد بها بلاد السلتيين
Celtes
وهم أمة كانت تجاور الغاليين والأيبيريين - وبلاد سبانية، فإنها تشاكل الرامي والمشتري ولذلك صار سكانها سليمي القلوب محبي النظافة. انتهى.
هذا ما جاء في كتاب الهمداني من جغرافي العرب وحكمائهم عن أسبانية، وأما قضية تأثير الكواكب في طباع سكان الأرض، وما نقله الهمداني عن بطليموس القلودي من هذا الباب فهو معدود اليوم من النظريات البالية، التي عدل الناس عنها، لا سيما أننا لا نراها مطردة ولا غالبة حتى نحكم بصحتها. (5) ما ذكره أبو العباس أحمد المقري: صاحب كتاب نفح الطيب عن بلاد الأندلس من الجهة الجغرافية
اعلم أعزك الله أنه لا يزال نفح الطيب من أعظم المراجع التي يعول عليها المحققون في أخبار الأندلس، برغم كل ما عليه من مآخذ ومغامز، وما فاته من مباحث ومسائل، وذلك لأن صاحبه اتصل بكتب كثيرة لم يتيسر لغيره الاطلاع عليها، وشافه في الشرق والغرب عددا كبيرا من الجلة وحاضرهم، وكان المقري نفسه مولعا بأخبار الأندلس، متخصصا فيها حافظا من أنبائها، وكلام علمائها، ونظم شعرائها، ولا سيما من أقوال لسان الدين بن الخطيب، وزير بني الأحمر الشهير بما يكاد يكون من المعجزات، ولما كان قد رحل إلى المشرق، كأكثر علماء المغرب، وحج البيت الحرام خمس مرات، وزار المدينة المنورة، والبيت المقدس، انتهى في طوافه إلى دمشق الشام التي أخذت بمجامع فؤاده، فألقى بها عصا التسيار، وتعرف بكثير من علماء الشام وأدبائها وسراتها، فكان ذكر الأندلس أمامهم ملهج لسانه الدائم، وغرام قلبه الملازم، فأرادوه أولا على تأليف كتاب يتضمن مروياته عن لسان الدين بن الخطيب، فصحت عزيمته على ذلك، وبدأ بكتابة هذا الكتاب سنة تسع وثلاثين وألف للهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. إلا أنه بعد ما بدأ به بدا له أن يتوسع في الموضوع، ولا يقتصر على أخبار لسان الدين وحده فكان عندما شرع بهذا التأليف سماه «عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب» ثم لما أجمع التوسع في الموضوع عاد فسمى كتابه «بنفح الطيب، من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب» وهو لعمري اسم لائق بمسماه ولفظ موافق لمعناه، ولا أظنه يوجد اسم ألذ للقارئ من اسم «نفح الطيب» كما أن الملابسة ظاهرة بين قوله «غصن الأندلس الرطيب» ومزايا الأندلس الطبيعية في كثرة جناتها وبساتينها ووفرة فواكهها ورياحينها، وما اتصفت به من الخصب والنماء، وجمعته من زكاء الأرض إلى خير السماء، ولما كان للسان الدين بن الخطيب في هذا الكتاب الحصة الكبرى في الآثار المروية، والأصوات المحكية، لم يكن من العجب أن يجعل اسمه فيه وقد كان في الأصل هو المقصود بالتأليف. هذا وقد كان تأليف المقري للنفح حينما كان مقيما بالشام، ولذلك قال عنه في المقدمة ما يلي:
وله بالشام تعلق من وجوه عديدة، هادية لمتأمله إلى الطريق السديدة،
أولها:
أن الداعي لتأليفه أهل الشام، أبقى الله مآثرهم، وجعلها على مر الزمان مديدة.
ثانيها:
أن الفاتحين للأندلس هم أهل الشام، ذوو الشوكة والنجدة الحديدة.
Page inconnue