Hulal Sundusiyya
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
Genres
كما يقول الأفرنج - هي الحد الفاصل بين أوروبا وأفريقية. ويقولون: إذا تجاوزت معابر البيرانة فاعلم أنك قد دخلت في أفريقية. وربما يستغرب القارئ هذا القول بعد علمه أن في غرب البرانس (أو البيرانة) بلادا طويلة عريضة هي من أكبر أقسام أوروبا، تتألف منها مملكتان أوربيتان هما أسبانية والبرتغال فكيف يمكن أن تكون هذه البلاد من أفريقية؟ وما الموجب، يا ليت شعري! لضرب هذا المثل الذي قد يكون من باب المبالغة في تشبيه أسبانية والبرتغال الضاربتين في مناطق الجنوب بجاراتها سواحل أفريقية الشمالية؟ والحقيقة أنه ليس في هذا المثل شيء من المبالغة. أما من جهة الشجر والحجر والتراب والماء فإن الجزيرة الأيبيرية المنفصلة عن أوروبا بجبال البرانس أشبه بشمالي أفريقية وبغربي آسيا. ولقد جربت هذا الشعور بنفسي فور دخولي إلى أسبانية، إذ كان ذهابي إليها من طريق فرنسا أي من الشمال، فما عبرت الحدود الواقعة بين فرنسا وإسبانية حتى خلت نفسي سائرا في سواحل الشام بلادي. فكيفما نظرت وقع نظري على التين والزيتون والخروب والصنوبر والصبير وجميع الأشجار والنباتات الحرجية التي أعرفها في بلادي، مع وجوه الشبه الكثيرة في منظر الأرضين ولون التراب وتحدر الغدران يحف بها القصب والحلفاء، ومع حنين النواعير في البقاع التي لا يصح لها الشرب من الغدران، وغير ذلك مما يخيل لك أنك فعلا في سواحل سورية. ولا شك في أن هذا التشابه بين البلادين هو الذي حدا عرب سورية على انتجاع الأندلس أكثر من أي بلاد سواها، لأن الإنسان يحب إذا تغرب أن يقع في أرض تشبه مسقط رأسه.
وكان الجغرافيون القدماء يقسمون الكرة الأرضية إلى مناطق سبع، وبحسب هذه المناطق تكون أسبانية وجزائر البحر المتوسط مثل سردانية وصقلية وكريت وقبرص، وكذلك البلاد الشامية والعراقية، منطقة واحدة. وقد شاهدت شمالي المغرب فرأيته لا يفترق عن جنوبي أسبانية. وكيف يختلف عنه وكل الفاصل بينهما مضيق لا يتجاوز في بعض الأماكن أكثر من مسافة 15 كيلو مترا؛ وهذا الفاصل قد جرى الماء فيه حديثا بالنسبة إلى الأدوار الجيولوجية. وأنت إذا نظرت إلى شكل الأرض في الجزيرة الخضراء وجبل طارق، من جهة، وإلى شكلها في طنجة وجبل موسى وسبتة تجده واحدا، فهي بقعة خرقها الماء من الأوقيانوس الأطلانطيقي إلى البحر المتوسط فجعلها شطرين، ولكن لم ينزع من كل من الشطرين وحدته الطبيعية مع الآخر. وقد قيل لي: إن في برية جبل طارق نوعا من القردة قديم الوجود فيها، وهذا النوع نفسه يسكن في جبل موسى المقابل لجبل طارق وذلك من جهة أفريقية.
هذا من جهة الجغرافية الطبيعية. أما من جهة الجغرافية السياسية التي تتعلق بالسكان والممالك، أو من الجهة الأتنوغرافية كما يقال، فلا شك أن الأسبانيين والبرتغاليين وإن كانوا أوربيين في سلالتهم فإنهم لاختلاطهم بالعرب والبربر والأمم السامية مدة قرون متطاولة أصبحوا أمة وسطا بين الغرب والشرق.
2
وإذا صح الافتراض الذي يذهب إليه بعضهم من أن السلالة البيضاء هي التي انتقلت من على عنق الدهر من المغرب إلى أوروبا لم يكن العرب هم أول من أجاز من إفريقية إلى الأندلس.
إن شبه الجزيرة الأيبيرية لا يتصل بأوروبا إلا ببرزخ، هو جبال البرانس، وهي جبال شهيرة متوسط ارتفاعها سبعمائة متر عن سطح البحر تتكسر على أذيالها أمواج البحر المتوسط من الشرق والأطلانطيقي من الغرب، وقد حفرت المياه على منحدريها سواء من جهة الشرق أو من جهة الغرب مسلانا لا تحصى وأنهارا تتدفق وجردت صخورها من التراب الذي لا يزال يجحف به السيل من عشرات الآلاف من السنين.
والجيولوجيون يقولون: إنه لو حصل خلل في توازن قشرة الأرض الصلبة أدى إلى اضطراب أعماق البحار لما أمكن أن تكون الجزيرة الأيبيرية بمنجاة من هجوم البحر من جهة الوادي الكبير في الجنوب وجون نهر إبره
Ebre
في الشرق حيث أن طرطوشة ليست إلا على إرتفاعمترين فقط من مصب نهر «إبره» كما أن إشبيلية لا تعلو إلا عشرة أمتار عن الوادي الكبير. ولو قدر أن البحر ارتفع مائة متر عما هو الآن لضربت أمواجه حيطان قرطبة. ولو أن البحر انبسط على سهل أشبيلية لغمر أكثر سهول الأندلس، ولم يقف إلا في سفوح جبال مورينة
Sierra-morena
Page inconnue