Huck le grand escroc américain : deux en un
هوكر المحتال الأمريكي العظيم: شخصان في واحد
Genres
العالم الجديد
1 - الرجل صوت والمرأة صدى
2 - بائعة الزوج
3 - الدبوس الألماسي
4 - الدبوس والأحد عشر ألفا
5 - قلق إيفا وأفلن
6 - مؤتمر العصابة
7 - القبض على هوكر
8 - التحقيق
9 - هل يكون شخص في مكانين؟
Page inconnue
10 - من السجن إلى النصب رأسا
11 - شفلر غير هوكر
12 - إبليس يجرب إيفا كروس
13 - مؤامرة في السجن
14 - سجن ولا سجين
15 - التقاء هوكر وشفلر في حلم
العالم الجديد
1 - الرجل صوت والمرأة صدى
2 - بائعة الزوج
3 - الدبوس الألماسي
Page inconnue
4 - الدبوس والأحد عشر ألفا
5 - قلق إيفا وأفلن
6 - مؤتمر العصابة
7 - القبض على هوكر
8 - التحقيق
9 - هل يكون شخص في مكانين؟
10 - من السجن إلى النصب رأسا
11 - شفلر غير هوكر
12 - إبليس يجرب إيفا كروس
13 - مؤامرة في السجن
Page inconnue
14 - سجن ولا سجين
15 - التقاء هوكر وشفلر في حلم
هوكر المحتال الأمريكي العظيم
هوكر المحتال الأمريكي العظيم
شخصان في واحد
تأليف
نقولا حداد
العالم الجديد
الشرق في واد والعالم الجديد في واد.
المألوف في أميركا غريب في آسيا، غريب في هذه البلاد. فما قولك بالغريب العجيب هناك، وأميركا أم العجائب والغرائب؟!
Page inconnue
في هذه الرواية وما يتبعها من الروايات يطلع القارئ على عادات العالم الجديد وطبائعه، ويقف على فنون أهله وأساليبهم في معاملاتهم وعلائقهم، ويعرف حيلهم وألاعيبهم، واستخدامهم عجائب الاختراع وأسرار العلوم، ونظامات الأحكام الدستورية في سبيل تحايلهم.
يندهش القارئ إذ يرى أن الكهرباء والمغنطيسية وما نشأ منهما من العدد والآلات العجيبة، تشترك مع أذكياء البشر في حيلهم وألاعيبهم العجيبة الغريبة.
لذلك آلينا أن ننشر تباعا حينا بعض آخر روايات جاك هوكر - المحتال الأميركي الشهير - الذي دهش الأميركيين بحيله وألاعيبه الغريبة العجيبة، وحير أبطال الشرطة السريين، فلم يستطيعوا أن يمسكوه وهو يتردد بينهم، فكأنه الزئبق بين أناملهم. فكان يبهرهم بطرقه الغريبة المدهشة في الإفلات من مكائدهم؛ حتى كل نك كارتر البوليس السري المشهور من نصب المكايد له واضطر أن يسلم نفسه له طمعا برحمته.
وفي هذه الرواية الأولى الصادرة في هذا الكتاب حادثة من حوادث جاك هوكر التي لا تعد، يتمثل فيها هوكر بشخصين متشابهين حتى يضطر الناس أن يعتقدوا أن في الوجود شخصين، وهم يتحيرون في أمرهما مع أنه لا يوجد إلا شخص واحد.
وفي الروايات التالية التي تظهر حينا بعد حين يقع الصراع بينه وبين البوليس السري، وهي غرائب لم تخطر على قلب بشر؛ فليتتبعها القراء الكرام.
نقولا حداد
الفصل الأول
الرجل صوت والمرأة صدى
بعد الساعة الحادية عشرة مساء، كان جمهور من الناس يخرجون من ملعب الهبودروم المشهور في نيويورك، وكان بينهم سيدة تمتاز على غيرها من السيدات بنفاسة ثوبها وحلاها وأبهة مظهرها؛ حتى كان الرائي يخالها ملكة خارجة من قصرها والقوم كلهم حشمها. لم تكن لتقل عن الأربعين عمرا، ولكنها كانت تتراءى في الخامسة والعشرين؛ لأن صبا بنت النعماء طويل.
وكان يمشي إلى جانبها شاب لا يكاد يبلغ الثلاثين من العمر، طويل الطلعة، باهي المحيا، ربع القامة، أنيق الملبس. مشيا إلى أن وصلا إلى أتوموبيل ينتظر، فتوقفت السيدة، وقالت: لا أشعر أني ميالة إلى العودة إلى منزلي الآن، فهل تريد يا مستر هوكر أن تتناول معي كأس شاي في مطعم الهيبودروم؟
Page inconnue
قال: وهل أستطيع أن أرفض هذا منك يا مس كروس؟
فابتسمت، وقالت: نعم، تستطيع إذا كنت تخاف غضب زوجتك.
قال: إذا كنت تحسبين ذهابي معك جريمة؛ فلا بد أن أخاف غضب زوجتي.
فتوردت وجنتاها خجلا، وقالت: لست أعني ما فهمت، ولكن الغيرة طبع في البشر، ولا سيما النساء؛ فإذا كنت تعهد أن زوجتك ليست غيورة عليك ولا تستاء من تأخرك، فأود أن تتناول معي كأس شاي. - قلت لك يا مس كروس: إن هذا اللطف العظيم ليس لمثلي أن يرفضه في حال من الأحوال.
فالتفتت إلى الحوذي، وقالت: جونستن، أنا في ذلك المطعم المقابل لنا.
وعند ذلك تقدمت ومستر هوكر يأخذ بيدها إلى أن دخلا مطعما فاخرا، تتألق فيه الأنوار الكهربائية حتى صار ليله أبهى من نهاره، وجلسا إلى مائدة منفردة بين حياض نبات وأزهار، وبعد أن سمع الساقي أمرهما بطلب الشاي وما يتبعه؛ قالت وعيناها تلتهم جاك هوكر وجدا: إذن؛ لا تبالي مهما عرضتك صحبتي.
فقال مبالغا في الابتسام: لا تعرضني صحبتك إلا للسرور والشعور بالسعادة. - إذن تحبني؟! - وأعتبرك أيضا.
فتململت مس كروس قليلا، ثم قالت باسمة متوردة: أوما من خطر من مسز هوكر عليك في حبي؟ - عجيب! أي خطر في ذلك؟!
فأطرقت هنيهة، ثم رفعت نظرها إليه، وقالت: لا بد من أحد أمرين: إما أنك لا تحبني، أو أن زوجتك لا تحبك.
فضحك، وقال: إن منطقك هذا كحبي لك مختصر اللفظ مطول المعنى. - إلى الآن لم تجاوب على قولي، ولم أدرك سر حبك هذا؛ لأن بين حب وحب فرقا كالفرق بين ماء وماء وهواء وهواء. - ما هو الحب الذي تتوقعينه مني؟ - أتوقع منك حبا لي كحبي لك. - ومن أدراك أن حبي أشد وأعظم؟
Page inconnue
قالت: أنا أحلم بك كل ليلة.
قال: وأنا أحلم بك كل نهار أيضا؛ لأني لا أكاد أنام الليل.
قالت: صرف حبك فكري عن كتبي وجرائدي ومراقبة ثروتي.
قال: أما أنا فأصبحت أشغالي لغوا. - أشغلني حبك عن أصحابي. - وأشغلني حبك عن زوجتي.
عند ذلك اغرورقت عينا مس كروس بالدموع، وألقت يدها على كفه، فتناول خمسة أقلام من عاج، وضغطها على شفتيه هنيهة، شعرت في خلالها أن قطرة دمع أحرقت معصمها النضير، فجذبت كفه إلى صدرها.
وقالت: هل تشعر بخفقان قلبي؟ ما زال خافقا منذ ذلك العهد يوم التقينا لأول مرة في المرقص، منذ ذلك اليوم ابتدأت سعادتي وابتدأ شقائي أيضا؛ سعادتي بحبك وشقائي ببعدك.
فأجاب: ومنذ ذلك الحين اضطرمت النار في فؤادي، وما زلت في عذاب دائم - شقاء بلا هناء - وما التقينا مرة بعد ذلك الحين إلا ألقيت وقيدا في أتون صدري.
عند ذلك تنهدت وابتسمت، ثم قالت: الآن أشعر أني في نعيم يا جاك. - أما أنا فما هذه أول مرة ألقيت نفسي في جحيم.
فاختلجت مس إيفا كروس قليلا، وقالت: ماذا تعني؟ - أتظنين أننا التقينا هذه الليلة هنا مصادفة؟ - كيف عرفت أني آتية الليلة إلى الهيبودروم؟ - ما هذه معجزة! سليني كيف عرفت أنك كنت ذاهبة أمس مثل هذا الوقت متنكرة إلى بناية نادي المراقص في شارع 14؟
فاضطربت مس كروس ، وشعرت أن قلبها هبط في صدرها، وقالت: يا لله! هل رأيتني؟!
Page inconnue
فقال ماكرا: هل ظننت أن الله وحده يعلم أنك تتفقدين الأرملة ويتاماها؟ - أي أرملة هذه؟! - هل تتجاهلين زوجة البواب الذي مات عن 6 صغار منذ أسبوع، وتظنين أني لم أعلم أنك زرت أرملته وتصدقت عليها؟
فهدأ روع إيفا كروس قليلا، وقالت وهي تظن أنها تمكر عليه: عجيب أن تعلم ما لا يعلمه إلا الله. - الحب أعظم ما خلقه الله، وهو قوة تقدرنا على كل شيء حتى على معرفة الأسرار. - إذن كنت تراقبني! - حاشا، ولكن قلبي كان يقودني إلى حيث يمكن أن أراك أحيانا. - إذن تحبني يا جاك! - وهل تسمين هذا حبا فقط؟
وكان وجهها قد ضاء بشرا، فألقت كفها في كفه، فطبع فيها قبلة ثانية، فأمسكت بيديه وجذبته، فانتقل إلى كرسي بجانبها، وهمت أن تقبله فنفر مبتعدا فقالت: لا يرانا أحد هنا. - ضميرنا يرانا.
فاحمرت خجلا، وقالت: إذن هو حب عقيم. - لهذا ما زلت شقيا منذ تعارفنا.
وكان سكوت بعض دقائق تنهدت إيفا في خلالها بضع مرار، وأتمت شرب شايها وعيناها تتقدان، ثم قالت: جاك! إني أحبك حبا لا أطيق معه الصبر عنك. - الله كتب لنا الشقاء يا إيفا وإلا لما سهل تعارفنا. - الله لم يكتب لنا شيئا، بل نحن نكتب لأنفسنا إما الشقاء أو السعادة. - كيف نستطيع أن نكون سعيدين مع هذا الحب القاتل؟
قال: ماذا يمنعنا أن نتمتع به؟! - كيف نستطيع؟ - نكون زوجين.
فاضطرب جاك قليلا، وقال: معاذ الله أن أرتكب جريمة تعدد الزوجات، والقانون يعاقب عليها.
قالت: إذن أنت تضحك علي. - ماذا تعنين؟ - أنت لا تحبني بل تحب زوجتك وتحبها وحدها، فلماذا تكذب في قولك أنك تحبني؟ - قد أكذب إذا قلت «إني أحبك» فقط؛ لأني أعبدك.
قالت: إذن ماذا يمنعك أن تطلق من لا تحب لتتزوج من تحب؟!
فبهت جاك، وبعد هنيهة قالت إيفا: نعم، نعم، لماذا لا تطلقها لكي تتزوجني إذا كنت تحبني؟!
Page inconnue
قال: لم أدر أنه يمكنني أن أنال هذه السعادة يا إيفا، فتنهدت وألقت ذراعها على ظهره، وجذبته بكل قوتها لكي تقبله، فنفر من بين يديها، وعاد إلى كرسيه الأول فقالت: لقد روعتني، لماذا فعلت كذلك؟ إني أكاد أذوب وجدا.
فقال بكل لطف ورقة: إيفا، لم أطلق بعد. - أما صممت أن تطلق؟ - لا يكفي تصميمي، تعلمين أن الطلاق كالزواج لا بد فيه من رضى اثنين معينين.
فخمد في الحال اتقاد إيفا، وفكرت هنيهة ثم قالت: نبحث في الأمر بجد، هل تريد أن تطلق لتتزوجني؟ - أريد من كل قلبي إذا أمكن الطلاق. - هل تحبك زوجتك كثيرا؟ - لا أدري كم تحبني، بيد أني أظن أن الرجل صوت والمرأة صدى.
قالت: ألا يسهل عليك أن تقنعها؟ - بل يصعب علي جدا؛ لأنها لا تجد مستندا سواي، وهي تبتغي أن تعيش منعمة مباهية، ولا تؤمل بأن تعيش هذه العيشة مع سواي.
ففكرت إيفا هنيهة ثم قالت: أعطني عنوان زوجتك.
قال: منزل 28 شارع 110.
قالت: أرجو أن تكتبه هنا.
فتناول برنامج التمثيل في الهيبودورم من يدها، وكتب العنوان على بياض منه، فأودعته في حقيبتها، ونهضت وخرجا وودعا أحدهما الآخر، وهي ركبت أوتوموبيلها وهي تقول له: «غدا مساء تزورني في منزلي.»
فأكد لها ذلك، وركب القطار العلوي - الذي يسير على صقالات فوق الشوارع - وهو يقول: «جئت أصطاد عصفورا، فإذا بي قد اصطدت نعامة.»
الفصل الثاني
Page inconnue
بائعة الزوج
إيفا كروس سيدة غنية تعد ثروتها بالملايين، وتعيش وحدها عيشة الأمراء في منزلها الفخيم بين منازل الأغنياء في زاوية الشارع 35 والأفنيو الخامس (الأفنيو هو الشارع الطويل)، وعاشت كل عمرها عازبة؛ لأنها لم تجد من تحبه الحب الكافي لكي تتزوجه؛ فكانت تكتفي بعشرة من تروق لها عشرته من الشبان الذين تعرفت بهم، وكان الذين يعرفونها يلقبونها «بالمفتونة»؛ لأنها كانت ولوعة بعشرة الشبان، وكان بعضهم يلعبون عليها أدوارا مضحكة لسذاجتها وبساطة قلبها، ومثل إيفا كروس كثيرات.
والظاهر أن حب جاك هوكر ملأ قلبها حتى لم يعد يسع حبا، وتدفق مع دمها وغلغل في عروقها، فلما افترقت عنه كانت تردد قوله: «الرجل صوت والمرأة صدى.» وقالت في نفسها : «إذا صحت هذه القاعدة - ولا بد أن تكون صحيحة - فلا بد أن جاك يحبني حبا شديدا - كما يقول - وإلا لما كنت أحبه، وبالتالي لا يمكن أن تكون امرأته تحبه؛ لأنه لا يمكن أن يحبها ويحبني معا، وعليه لا بد أن أنجح في فصلها عنه بأي الطريق ولو ملكتها نصف ثروتي، وأنا أعلم أن المرأة تبيع زوجها بثوب وقبعة، أفلا تبيع مسز هوكر - زوجها - بألوف الريالات؟!»
في الساعة الأولى بعد ظهر اليوم التالي، كانت مسز هوكر في منزل مس إيفا كروس، فاستقبلت هذه تلك بترحاب وابتسام قائلة: أشكر لطفك في تلبيتك دعوتي، متى وصلك كتابي يا مدام؟
أجابت: بالطبع وصلني منذ ساعة تقريبا؛ لأني حالما قرأته تأهبت للقدوم إليك، كما كتبت لي، وأسرعت ما استطعت؛ فعسى أن يكون خيرا. - إن شئت فخير، أو ويل لكلينا.
فقالت مسز هوكر مستهجنة هذا الجواب: إن كان الأمر يتوقف على مشيئتي فلا أريد إلا الخير لكلينا. - نعم، يتوقف على مشيئتك. - ماذا تبغين يا عزيزة؟ - إن ما أبتغيه شيء عظيم وصعب، ولا ينيلنيه أحد غيرك. - إن كان في وسعي فأفعله بسرور. - هو في وسعك إذا شئت. - إذن مري مس كروس فأفعل. - تعرفين المثل السائر «الشغل شغل»، أريد منك أمرا ولكن بثمن. - نعم! - الذي أريده شيء عظيم. - لا نختلف على الثمن، فماذا تريدين؟ - أريد أن تبيعيني زوجك.
فانتفضت مسز هوكر في مكانها حتى رأت إيفا انتفاضها فاختلجت معها، أما تلك فلم تجب، بل كان احمرار وجهها جوابا، فقالت هذه ثانية: أريد أن أشتري زوجك بلا مساومة، ثمنيه فأدفع ثمنه نقدا الآن، فأجابت مسز هوكر متغيظة: هل استدعيتني يا مس كروس إلى منزلك لكي تهينيني؟! - كلا يا عزيزتي، ما من إهانة في ذلك، بل أنت تعلمين أن حب المال في أميركا فوق كل حب، فإذا كنت أعرض عليك مالا بدل زوجك، فأكون عارضة عليك أعظم محبوب عند البشر - إله البشر اليوم - إلهي وإلهك؛ فأية إهانة في ذلك؟! - تفضلي أن لا تتمادي في هذا الموضوع؛ فما زوجي قبعة حتى أبيعه وتشتريه. - لكل شيء في الدنيا ثمن؛ فللقبعة ثمن، وللخاتم ثمن، وللعقد ثمن، وللكلب ثمن. - ما زوجي بشيء من ذلك حتى يثمن بثمن؛ فأقصري. - ألا تسمعين القول السائر: «معك ريال فتساوي ريالا»؟ فللرجل إذن ثمن أيضا، فلا تستهجني الأمر يا صديقتي، اطلبي الثمن.
فقاطعتها تلك قائلة غاضبة جدا: إذا لم تقصري حديثك جرت بيني وبينك موقعة هائلة هنا.
وكانت مسز هوكر قد تحمست جدا، ووقفت وهمت أن تهجم على مس كروس، أما تلك فلم تتحرك من مكانها، بل بقيت تترجح في كرسيها الهزاز وتبتسم، فقالت لها: اقعدي يا مسز هوكر يا حبيبتي اقعدي، الظاهر أنك لا تزالين تعولين على العواطف أكثر من المال، فدعينا نتكلم في الموضوع من وجه آخر.
فقالت مسز هوكر: كفاني هوانا عندك يا مس كروس، كفى.
Page inconnue
وهمت أن تمضي، فتلقتها إيفا وأمسكت بيدها، وأجلستها إلى جانبها بالرغم منها تقريبا، وقالت: دعينا نتكلم بعقل الآن. - أراك جننت، فكيف أنتظر أن تكلميني بعقل؟! - لا، لم أجن بعد إلا إذا عاندتني فتكونين سبب جنوني، فاعلمي أني أحب جاك، وليس حبك له عند حبي إلا كنقطة في بحر. - أنت حرة في أن تحبي من تشائين يا مس كروس، ولكن لست حرة إلى حد أن تهيني سواك. - إذن لا تستائين مني إذا أحببت زوجك؟ - ليس لي حق أن أستاء، ولكني أشفق عليك وأعذرك؛ لأن كثيرات غيرك أحببنه قبلك، بيد أني لم أر من فعلت فعلك هذا. - إذن تعذرينني وتسلمين أن لي حقا أن أحبه. - بالطبع؛ إذ لا سلطة لأحد سواك على عواطفك. - وهل من سلطة لأحد على عواطفه؟! - كلا، ولكن لي أنا مطلق الحق بعواطفه. - الحق يا مدام شيء والسلطة شيء آخر. لك حق أن يحبك، ولكن لا سلطة لك على عواطفه إذا كان لا يحبك. - تعنين أنه لا يحبني الآن؟ - نعم؛ لأنه يحبني مثلما أحبه، ولا أقدر أن أقول أكثر إذ لا أعتقد أن هناك حبا أشد من حبي له. - إذن أنت تحاولين أن تختلسي زوجي مني؟ - كلا، لا أختلسه اختلاسا، بل أشتري اسمه شراء كما اقترحت عليك أولا، أقول اسمه؛ لأن قلبه وروحه صارا ملكي.
فظهر غضب مسز هوكر شديدا، وقالت: تقرين أنك خائنة لي، عرفتك بزوجي فغازلته وتحببت له لكي تستميليه، ولكني أقول لك: إن زوجي لا يغتر بالغنى والجاه، فقد تزوجنا حبيبين ونموت حبيبين. - إنك لمغرورة يا هذه، إن كنت معتمدة في هذا العناد على اعتقاد أنه يحبك فأنت مسكينة. - ليس من يزعزع ثقتي بزوجي. - لماذا لم تسهري معه أمس؟! - كان في «النادي الثلاث عشري» فكيف أذهب معه؟! - قلت لك مسكينة فلم تصدقي، كان في ملعب الهيبودروم. - تكذبين. - بل أصدق؛ لأنه صرف بعد ذلك نحو ساعة معي في مطعم الهيبودروم. - أنت منافقة تبتغين أن تهيجي طبعي. - لا تسخطي يا حبيبتي، عندي برهان.
ثم خرجت إيفا إلى غرفتها، وفي لحظة عادت وفي يدها برنامج التمثيل في ملعب الهيبودروم، وأرتها إياه قائلة: هذا عنوانك عليه بخط زوجك نفسه، والبرنامج بتاريخ الأمس كما ترين، فهل صدقت أنك مسكينة؟!
فاستلقت مسز هوكر في كرسيها كأنها واهية القوى، وتنهدت، وجال الدمع في عينيها.
ثم قالت: إذن تحفظين هذا البرنامج برهانا على خيانتك لي. - ما أنا خائنة يا مدام، بعد أن قلت: إن لا سلطة لأحد على عواطفي، وإن لي حقا أن أحب من أشاء. - بل أنت خائنة؛ لأنك تستهوين زوجي. - كلا يا مدام، هو يقول: إن الرجل صوت والمرأة صدى؛ أي إن المرأة تحب الرجل لأنه يحبها أولا، وتحبه بقدر حبه لها؛ فهو استهواني وهو استمالني وهو راقبني وتتبعني إلى الهيبودروم؛ ولهذا أحبه، ولهذا لا يحبك فأتعجب كيف أنك تحبينه حتى الآن؟!
فشرقت مسز هوكر بدموعها، فتقدمت إليها إيفا، وأمسكت يدها، وقالت: لماذا تبكين يا حبيبتي؟ إنك لساذجة جدا، لو كنت أنا في مكانك لا أبكي على رجل لا يحبني، بل بالأحرى أكرهه وأشمخ عليه وأقصيه عني.
فرفعت مسز هوكر نظرها إلى إيفا وعيناها تتقدان، وقالت: إذا كان يحبك وتحبينه، فماذا تشترين مني بعد، فقد صار لك وأنت له؟! - نعم؛ صار لي وصرت له فما أنا شارية قلبه منك؛ لأن قلبه لي على كل حال، وإنما أنا شارية اسمه، فاطلبي ثمنه ما تشائين.
فقالت مسز هوكر بلهجة الهازئة المتمرمرة: وماذا يهمك اسمه وقد حزت قلبه؟! - أريد أن يكون لي كله بحسب الشريعة، أريد أن أتزوجه، أريد أن تطلقيه إذ لم يبق لك إلا اسمه، وقد اتفقت معه على ذلك.
فسخطت مسز هوكر بها قائلة: أطلقه؟! سأريك ماذا أفعل. - ماذا تفعلين؟! - ألا تعلمين ما هو عقاب الخائن والخائنة؟!
فقهقهت إيفا، وقالت: ليس بيني وبين زوجك إلا الحب، والحب ليس خيانة؛ لأنه فوق كل شريعة وسلطان في هذه البلاد. - إذن اكتفي بحبه يا هذه، وأنا أعرف كيف أدبر زوجي، لن أعيش إن كنت أدعه يرى وجهك بعد.
Page inconnue
ففكرت إيفا هنيهة، وقالت: أود أن أكلمك بكل تعقل يا عزيزتي، فاسمعي لي ولا تستسلمي لعواطفك الآن، فتهتدي إلى الصواب في مصلحتك. لا بد أنك اقتنعت أن زوجك يحبني ولا يحبك، وإذا راجعت سلوكه معك في الماضي تتأكدين ذلك.
وكانت مسز هوكر قد ألقت خدها على كفها، فهمت أن تستشيط، فأومأت لها إيفا قائلة: هدئي روعك يا حبيبتي، وانظري إلى مصلحتك، فإن للعواطف ثورة تنطفئ في ساعة أو يوم، فإذا كان زوجك لا يحبك؛ فلا يكون زوجك إلا بالاسم، ولو استطعت أن تبعديه عمن يحب، الأمر الذي يستحيل عليك، وإن عقدت النية على الانتقام منه فأنت خاسرة على كل حال، ولو نجحت مع أنك لن تنجحي لأنك لست أقدر مني مالا ولا أذكى منه عقلا، فمن العبث أن تحاولي الاحتفاظ به، وخير لك أن تستعيضي منه بما هو أفيد لك من اسمه ألف ألف ضعف، لا فائدة لك منه إلا أنه يعولك قدر ما يستطيع، فأنا أعوض لك ذلك أضعافا بحيث تقدرين أن تعيشي بعدئذ أسعد حالا، حتى إذا شئت أن تتزوجي وجدت خير شبان، يتمنى كل منهم أن يتزوجك غنية.
وكانت مسز هوكر قد وضعت وجهها في كفيها كأنها تبكي، فلم تجب كلمة على خطاب إيفا ، وبعد هنيهة قالت هذه لها: كم تريدين أن أدفع لك ثمن طلاق زوجك فأدفع في الحال؟
فلم تجب مسز هوكر، فقالت: هل تكفيك ثلاثون ألف ريال؟
فلم تجب فقالت: خذي 40 ألف ريال.
فلم تجب أيضا فقالت: أظن 50 ألفا تكفيك وزيادة.
أكتب لك تحويلا بالقيمة، وأنت تكتبين لي تعهدا أنك تطلقين زوجك غدا أو تردين لي المبلغ.
ونهضت إيفا وأمسكت مسز هوكر بيدها، وقالت: «هلمي معي إلى مكتبي.» وعند ذلك جرتها جرا كأنها تأخذها بالقوة إلى أن دخلتا وجلستا على كرسيين، وتناولت إيفا دفتر التحاويل، وكتبت تحويلا لمسز هوكر بقيمة 50 ألف ريال، ودفعته لها، وقدمت لها ورقا، وقالت: «اكتبي التعهد الآن.» فلم تمد تلك يدها، فوضعت إيفا الورق والقلم في يدها، ثم قبلتها ولاطفتها حتى رضيت أن تكتب، وهي تنظر إلى التحويل، وتنعم النظر في أرقامه، وأملت إيفا عليها صورة التعهد فكتبته وأمضته، فأخذته إيفا ووضعته في محفظة، ثم عادتا إلى القاعة والتحويل في يد إيفا؛ فدفعته لها قائلة: هذه 50 ألف ريال ثمن اسم زوجك؛ فلتكن سبب حب أسعد لك من حب جاك.
لك أن تقبضي القيمة من البنك الآن.
فأمسكته مسز هوكر بيدها، وقالت: أي مجنون في بنك نكر بوكر يدفع لي 50 ألف ريال وهو لا يعرفني؟! ومن يصدق أن هذا التحويل ليس مزورا؟!
Page inconnue
فقالت إيفا والفرح قد أخذ منها كل مأخذ: ماذا تريدين؟ هل تريدين أن أذهب معك إلى البنك لكي أدفع شبهة التزوير؟
فقالت: تذهبين معي؛ لكي يلعن الذين يروننا المرأة التي ساومت على ثمن زوجها؟! كلا؛ لن أذهب ولا أبقى في نيويورك ساعة بعد طلاقه. - إذن؛ ماذا تريدين؟ - لماذا لا تذهبين الآن إلى البنك وتقبضين الثمن؟ - إذن غدا نذهب معا، أنا إلى البنك وأنت وجاك إلى المحكمة. - لا بأس إذن، أعطيني التعهد حالا. - أبقي التحويل معك. - لا لا، التعهد عندي أكثر قيمة من التحويل؛ فخافت إيفا أن تكون مسز هوكر قد ندمت، وأنها تود أن تفسخ عقد الاتفاق؛ فقالت: إذن أذهب الآن إلى البنك، وفي ساعة أعود إليك بالمبلغ نقدا فانتظريني هنا.
وفي الحال نزلت إيفا، أما مسز هوكر فخرجت إلى رحبة المنزل الذي هو موضع الجلوس العمومي، واطمأنت إذ رأت التليفون، وجلست، وبعد برهة قرع جرس التليفون فأسرعت إليه في الحال، وتناولت بوقه فدنت الخادمة إذ سمعت صوت التليفون، فقالت لها مسز هوكر: الطلب لي.
فقالت تلك: هل مس كروس التي تخاطبك؟ - كلا؛ بل خادمتي.
فعادت الخادمة إلى شغلها وردت مسز هوكر البوق إلى أذنها وجعلت تجاوب المخاطب.
الفصل الثالث
الدبوس الألماسي
كان الوقت قد تجاوز الساعة الثانية لما خرجت مس إيفا كروس من منزلها، ولم تدر حينئذ أن حبيبا آخر يترقبها عن بعد وهو في ثوب رمادي وقبعة رمادية أيضا، وقد تتبعها حتى أدركها قبل أن وصلت إلى مدخل محطة «القطار النفقي» (وهو قطار كهربائي يسير في نفق تحت شوارع نيويورك)، فلما وقعت عينها على عينه ابتسمت له ابتسامة ضعيفة فحياها، وتقدم ومشى معها؛ فقالت: «أرجو إما أن تسبقني أو أن أسبقك.» - أإلى بناية نادي المراقص حيث كنا أول أمس؟
فامتقع وجهها، وقالت: ليس من مرقص الآن وما أنا متنكرة؛ فلا تذكر لي نادي المراقص بعد الآن. - إذن إلى أين تريدين أن أسبقك أو تسبقيني؟ - أريد أن لا تماشيني الآن، فإما أن تمشي أمامي أو أن تتأخر عني، أو أن تتخذ طريقا غير طريقي. - عجبا! أراك تغيرت علي؛ فكم مرة ماشيتك قبل الآن فلم تتحذري مثل الآن؟ - لا تطل الحديث معي؛ فإني أود أن أبقى وحدي. - فليكن ما تشائين يا أميرتي، ولكن هل آمل بلقاء آخر نتفاهم فيه؟ - لا تتعرض لي في مكان أو زمان حتى أنا أتعرض لك، فلا تمش معي خطوة بعد.
فتركها عند ذاك ودخل إلى محطة القطار النفقي، وفي بضع دقائق كان في جهة من شارع برودواي، فدخل إلى حانة، واختلى في قفص التليفون، وأسقط القرش في الفوهة المهيئة لذلك وتكلم. (وهنا نخبر القارئ أن طريقة المخاطبة في التليفون في أميركا ميسرة جدا، فأينما كنت ورغبت أن تخاطب أحدا في التليفون تجد على كل أبواب المحلات العمومية كالحانة والصيدلية والفندق والبقال ... إلخ؛ علامة أن هناك تلفونا عموميا، فتدخل من غير استئذان إلى قفص التليفون (وهو شبه خزانة)، وتقفل الباب عليك، وتخاطب من تشاء من غير أن يسمع أحد ماذا تتكلم.)
Page inconnue
وبعد أن تكلم بضع كلمات خرج، ودخل في باب بناية كبيرة عليها رقم 160، وصعد إلى الطبقة التي فيها مراحيض ودخل إلى مرحاض، وفي هنيهة سمع صوتا خافتا يغني، فجاوبه على غنائه، فدخل صاحب الصوت إلى مرحاضه، دخل بثوب أسود وبلا قبعة، وفي دقيقة خرج بثوب رمادي وقبعة رمادية، وبقي الأول في المرحاض وقد أوصده من الداخل، وبعد برهة عاد الذي خرج بالثوب الرمادي، ونقر على المرحاض نفسه 3 نقرات، ففتح ذاك له فدخل، وفي دقيقة خرج بثوبه الأسود وبلا قبعة كما كان قبلا، أما الأول فبعد هنيهة خرج ومضى إلى جهة أخرى من المدينة.
في الشارع الثامن مخزن كبير للجواهر والحلي باسم «أفلن وشركاه»، ففي ذلك الحين دخل إليه رجل، فاستقبله مدير المحل بالترحاب قائلا: أهلا يا مستر هوكر.
فتقدم إليه ذاك باسما وصافحه قائلا: بعت أمس خاتما وسوارا، أما هذا الخاتم فلم أقدر أن أبيعه؛ لأن بعض حجاره مكمدة، فأرجو أن تسترده كما اتفقنا، وهاك 320 ريالا بقية حسابي.
فتناول أفلن الخاتم والنقود منه باسما، وقال: إني مستعد أن أسترد كل حلية لا تقدر أن تبيعها يا مستر هوكر؛ تسهيلا للمعاملة فهل تريد شيئا آخر؟ - أريد أن تعطيني الدبوس الألماسي الثمين الذي أعجب مس كروس. - هل وجدت من يشتريه؟ - مس كروس نفسها تشتريه الآن إن شاء الله، وقد أتيت من قبلها لكي آخذه إليها لتراه ثانية الآن، فكم تدفع لي عمولة؟ - أدفع لك 5 بالمائة. - بل تدفع 10. - ثمنه عشرة آلاف ريال، فيكفيك منها 5 مائة. - بل ألفا تعطيني. - خذ 700 ريال، خذ 750. - كلا، تعطيني ألف ريال إذا بعته بعشرة آلاف، وليس غيري من يضمن لك بيعه لهذه المفتونة، ولي الأمل أن أتوصل بواسطتها إلى غيرها من الغنيات المفتونات مثلها، ولا سيما حين ينظرن هذا الدبوس على صدرها، فيسهل علي جدا حين ذاك أن أبيعهن حليا كثيرة.
ففكر المستر أفلن هنيهة، وقال له: «أمهلني لحظة.»
ثم ذهب إلى التليفون، وطلب رقم مس إيفا كروس، وعند ذلك جرى الخطاب التالي في التليفون: حضرتك مس كروس؟ - نعم، من أنت؟ - هنا محل أفلن وشركاه. - حضرتك المستر أفلن نفسه؟ - نعم، هل قررت أمرا بشأن الدبوس المعلوم؟ - أريد أن أراه ثانية، فقد وعدني المستر هوكر أن يأتي به إلي في هذا الوقت، أفما مر بك؟ - نعم، هو هنا الآن. - إذن أرسل لي الدبوس معه؛ لأني وعدته أن يتم الشراء عن يده، وإني أرى هذا الفتى مهذبا؛ فأريد أن ينتفع قليلا، كم هو الثمن النهائي للدبوس؟ - أحد عشر ألف ريال يا سيدتي. - هو يقول إنه يمكنني أن أشتريه بقيمة عشرة الآف ريال فقط، فهل تعني أنك تبتغي أن تحصل عمولة هوكر مني؟ - كلا، ولكن ... - أنت حر أن ترسله أو لا.
وعند ذلك شعر أن بوق الجانب الآخر من التليفون عاد إلى مكانه كأن مخاطبته استاءت، فعاد إلى هوكر محمر الوجه وناوله الدبوس قائلا: عسى أن تعود إلينا اليوم بتحويل بقيمة عشرة الآف ريال. - ليس اليوم بل غدا الساعة العاشرة على الأرجح.
عند ذلك خرج هوكر بالدبوس وبلاك يقول في نفسه: «إذا بقي هذا الفتى سائرا على هذه الخطة يتحبب للمثريات ويحببنه، فقد أبيع كل بضاعتي وتربح ألفي ألفا.»
الفصل الرابع
الدبوس والأحد عشر ألفا
Page inconnue
نحو الساعة الثامنة مساء دخل جاك هوكر إلى منزل مس إيفا كروس، فاستقبلته هذه على الرحب والسعة، ودخلت به إلى القاعة، وهمت أن تقبله، فنفر منها قائلا: بربك مس كروس لا تجربيني.
فقالت عابسة: هل ندمت على حبي وتأسفت على وعدك؟ - كلا، بل آسف أني لم أعرفك منذ أول صباي، فتهللت قائلة: إذن لماذا تضن علي بقبلة دفعت ثمنها 50 ألف ريال اليوم؟ - لم تدفعي الخمسين ألف ريال ثمن قبلات يا عزيزتي، بل افتديت بها قلبا منكسرا. - إذن رأيت مسز هوكر اليوم بعد الظهر؟ - بالطبع، رأيتها مقطبة عابسة فسألتها : ما الخبر؟ فقالت إنها كانت زائرة لك اليوم، وعرفت ما بيننا من الحب والغرام، فسألتها: كيف عرفت ذلك؟ فقالت إنك ساومتها على طلاقي بمبلغ كبير وأرتني بعض المال، فقلت لها متهللا: «يسرني أن تكوني راضية»، فهاجت وسخطت علي فقلت لها: «لماذا تسخطين وبأي حق تستشيطين، وقد قبلت بدلي ثمنا؟!» - وماذا أجابتك حين قلت لها ذلك؟ - عادت تنحب وتقول: «إذا كنت تحبني فأتفل على ألوف الريالات، ها الخمسون ألف ريال ردها لمس كروس وحبني ولو شهرا، وأرضى بعده أن أموت.» - إذن لا تزال تحبك، فماذا أجبتها؟ - رق قلبي لها، ولو لم أتذكرك لدنوت منها ومسحت دموعها.
فهجمت عليه مس كروس وضمته وقبلته بالرغم منه، وقالت: بربك لا تقابلها بعد. - لا بد من مقابلتها الليلة بعد؛ لأنها لم تزل زوجتي حتى غد الساعة العاشرة. - هل رضيت أن تذهب غدا معك إلى المحكمة للطلاق؟ - بعد جدال طويل لم تر بدا من ذلك؛ لأنها يئست من حبي لها، ووجدت في ألوف الريالات تعزية عظمى.
فابتهجت قائلة: إذن صرت في حكم الزوج لي. - غدا بعد الظهر يا حبيبتي الساعة الواحدة أكون هنا لنذهب معا لأخذ الرخصة.
فطوقت خصره بذراعها، ورامت أن تقبله وهي تقول: إذا كنت تضن علي بالقبلات، فكيف تبرهن أنك مخلص في حبي؟
فتناول جاك من جيبه الدبوس الألماسي، وقال: هاك هديتي لك برهانا.
فدهشت، وقالت: من قال لك أني أحببت هذا الدبوس؟! - أعلم ذوقك وما رأيته إلا شعرت أنه لا يليق إلا لهذا الصدر الناهض.
فابتسمت، وقالت: هل اشتريته لي؟ - لا أشتريه لسواك. - هل دفعت ثمنه؟ - لا تهتمي بأمر ثمنه. - أنا أعلم أنك ظلمت نفسك، فإن ثمنه لا يقل عن 12 ألف ريال؛ فاعذرني إذا استأذنتك أن أدفع ثمنه أنا. - ولكن لا يبقى هدية مني. - أنا أحسبه كذلك، وحسبي أنك افتكرت أن تقدم هذه الهدية الثمينة لي، وما الفرق أن تدفع ثمنه أنت أو أنا وكلانا واحد؟ - ولكن حتى الآن وأنا أقدم الهدية لم نزل اثنين. - مهما يكن الأمر فإن ثمن هذا الدبوس لم يزل كله أو بعضه دينا عليك، ولا أريد أن تكون مديونا لأحد، فخذ تحويلا بقيمة ثمنه. كم ثمنه؟ - صاحبه يطلب 11 ألف ريال، وأنا لا أريد أن أدفع له إلا عشرة آلاف. - إذن لم تشتره بعد؟ - بل اشتريته، فإن أبى إلا 11 ألفا أضطر أن أدفعها له.
وهمت أن تكتب تحويلا فقال: ماذا تفعلين؟ - أكتب تحويلا بقيمة 11 ألف ريال.
قال: اكتبي التحويل «لناقله»، فأقبض القيمة، وغدا آخذ له الدبوس وعشرة آلاف ريال، فمتى رأى الفلوس يرضى بها دونه، وإن أصر أدفع له الباقي أو بعضه.
Page inconnue
الحب يعمي البصيرة حتى البصر؛ فكانت إيفا كروس وهي في إبان حبها كالطفل بين يدي أمه مهما أمرته يفعل راضيا مسرورا، فكتبت في الحال تحويلا «لناقله» بقيمة 11 ألف ريال، ودفعته لجاك هوكر عشيقها، فألقاه إلى جانبه غير مكترث به كأن نفسه شابعة من الفلوس، والتفت إليها فرأى لهبات الوجد تكاد تندلع من لحظيها، فرمى كفه في كفها، فقبضت على كفه بكل قوتها وجذبته إليها، وقبلت فمه حتى كادت تحرقه أنفاسها الحارة، فما شفت منه غليلا حتى نشأ فيها غليل جديد، ولكنه أشغلها برهة بالحديث عن مستقبلهما، ثم ودعها وأخذ معه الدبوس والتحويل، وانصرف على موعد لقائها غدا الساعة الواحدة بعد الظهر.
الفصل الخامس
قلق إيفا وأفلن
دقت الساعة العاشرة صباح اليوم التالي، فالتفت المستر أفلن إلى الباب، كأنه يتوقع دخول المستر هوكر حسب الاتفاق بينهما، ولا سيما لأنه تعود منه فيما مضى المحافظة على المواعيد بالضبط، ولكنه لم ير أحدا داخلا؛ فقال في نفسه: «لا بد أن يكون قادما الآن.» فنهض من مكانه وتمشى ببطء نحو الباب، ثم خرج وتلفت هنا وهناك، فلم ير هوكر قادما، فعاد إلى مكانه، والتفت إلى الساعة فإذا بها صارت 5 دقائق بعد العاشرة، فقال في نفسه: «لعل له عذرا ونحن نلوم؛ الفتى أمين، وقد اختبرناه بضع مرات.»
مر نصف ساعة بعد العاشرة وهوكر لم يعد كما وعد، وحاول أفلن مرتين أن يمسك بوق التليفون لكي يخاطب مس إيفا كروس؛ فخشي أن يسوءها، ولكن لم يعد يطيق صبرا؛ فطلب رقم تلفونها، وفي الحال جرى بينهما الخطاب التالي: مس إيفا كروس؟ - نعم، من أنت؟ - أنا المستر أفلن، نهارك سعيد مس كروس. - نهارك سعيد مستر أفلن. - لا بد أن تكوني قد رأيت الدبوس الآن أجمل منه قبلا.
فقالت إيفا في نفسها: «يظهر أن هوكر أخبره شيئا عن علاقتنا المستقبلة؛ فلا بأس لأني سأكون قريبا زوجته.» ثم أجابت المستر أفلن: الحق أن دبوسا كذاك كلما نظرت إليه ازددت حبا له.
فتنهد أفلن الصعداء كأن هما كان على صدره فزال، فقال: إذن قررت أن تشتريه؟ - أما وصل إليك المستر هوكر بثمنه؟ - كلا، كان المنتظر أن يأتي الساعة العاشرة والآن الدقيقة 40 بعد العاشرة. - لعل أمرا فوق العادة أعاقه.
وفي الحال تصورت تلك الغبية المفتونة هوكر وزوجته في المحكمة يتطلقان، وقالت في نفسها: «عجيب كيف يعده أن يعود إليه الساعة العاشرة، وهو يعلم أن عنده موعدا آخر في المحكمة.» فقال أفلن: إذن؛ ننتظره بعد. - بالطبع.
ولما حانت الساعة الواحدة بعد الظهر جعلت مس إيفا كروس تتوقع قدوم المستر هوكر الدقيقة بعد الدقيقة، وفي إبان قلقها ووجدها سمعت الجرس يقرع؛ فخفق قلبها فرحا، ولكن وفي لحظة انقلب فرحها إلى غم؛ إذ دخلت الخادمة، وقالت: مستر أفلن يريد مقابلتك مس كروس. - ماذا يريد؟ أدخليه إلى القاعة.
ولما دخلت إلى القاعة وجدت المستر أفلن لا يزال واقفا وهو مضطرب، فقالت: ألم تر المستر هوكر؟ - ولا أثره ولا سمعت بخبره.
Page inconnue
فاسودت الدنيا في عيني مس كروس، وقالت: لا بأس؛ لعل له عذرا. - لعل ذلك يا مس كروس، ولكن التاجر الذي له عشرة آلاف في غير بنكه أو خزنته كالمريض الذي له روح في يد عزرائل؛ فأرجو من فضلك أن تسألي بنكك الآن إذا كان قد صرف تحويلا لأحد باسمي. - التحويل ليس باسمك بل باسم المستر هوكر نفسه. - فبالأولى إذن يجب أن تسألي عن فلوسك. - أما أنا فلست خائفة؛ لأني أعرف أن المستر هوكر يؤمن على كل ثروتي.
ورأى المستر أفلن في ملامح إيفا كروس عبوسة وشبه غضب، فاحتار كيف يخاطبها؛ فتردد في الخطاب قائلا: إذا كنت لا تخافين على فلوسك في يد المستر هوكر؛ فبالأحرى أنا لا أخاف على دبوسي وهو في مأمن عندك. - ليس لك أن تقول لي هذا القول، بل تقوله للذي بعته الدبوس، وإذا كنت تستخونه فلماذا سلمته إياه من غير أن تقبض ثمنه؟!
فخفق قلب أفلن جزعا، وشعر أن دبوسه صار تحت خطر فقال: سواء استخونته أو ائتمنته؛ فالدبوس أصبح في مأمن عندك يا مس كروس. - كلا، ليس الدبوس عندي بل لا يزال مع المستر هوكر. - كيف ذلك؟ قلت لي أنك أرسلت لي ثمنه مع المستر هوكر. - الدبوس وثمنه كلاهما مع المستر هوكر ليعرضهما عليك؛ لتختار إما الدبوس أو العشرة آلاف ريال. - ولكن لا داعي لهذا التخيير، فقد اتفقنا على عشرة آلاف، ومع ذلك فقد فات الوقت المعين 3 ساعات، وإلى الآن لم أحصل لا على العشرة آلاف ولا على الدبوس. - لعل الرجل منشغل بأمر ضروري، فلا تلمه إذا لم يوافك في الموعد المقرر، وزد على ذلك فإني أعهده فتى أمينا فلا تخف منه. - على أي حال لا أخاف يا مس كروس؛ لأني سلمته الدبوس بناء على أمرك فهو ... - بناء على أمري! متى أمرت؟ - أمس في مثل هذا الوقت تقريبا. - أنا! أمس! لا تمزح يا مستر أفلن. - بل أنت تمزحين مس كروس.
وبدت علائم الغضب والاضطراب على الاثنين.
فقالت: أرجو أن تسترد كلامك مستر أفلن؛ لم أعتد أن أمزح معك قبل الآن. - إذا كنت لا تمزحين مس كروس فإنك تنكرين. - أنكر ماذا؟! - تنكرين أنك أمرتني تلفونيا أمس أن أرسل لك الدبوس مع مستر هوكر! - أنا كلمتك تلفونيا أمس؟! - نعم؛ أنا كلمتك أولا وأخبرتك أن المستر هوكر جاء إلي من قبلك؛ لكي يأخذ الدبوس إليك لتريه ثانية. هل نسيت؟!
فأوجست مس إيفا شرا من المستر أفلن، وظنته يلعب عليها دورا؛ لأنها حتى تلك الدقيقة لم تشك بإخلاص هوكر وأمانته، وقالت: تقول أنك كلمتني في مثل هذا الوقت.
فالتفت إلى ساعته ، وقال: ليس مثل هذا الوقت تماما، بل كان ذلك نحو الساعة الثانية ونصف على الأرجح. - في ذلك الحين لم أكن هنا في البيت. - إذن؛ من خاطبني من هنا؟ - لا أدري.
فكاد المستر أفلن يجن من شدة قلقه، وقال: راح دبوسي إذن يا مس كروس راح دبوسي، بربك حققي بين الخدم هنا عمن خاطبني في التليفون أمس.
فاستدعت إيفا وصيفتها، وسألتها إن كان أحد قد طلب مخاطبتها أمس وهي غائبة بعد الظهر، فأجابتها تلك: نعم، سمعت جرس التليفون يقرع نحو الساعة الثانية ونصف فوافيت إليه، فوجدت السيدة التي تركتها هنا أمام التليفون، فلما رأتني قالت: إن خادمتها تخاطبها فعدت إلى شغلي ولم أعبأ، وغير ذلك الحين لم يخاطبنا أحد تلفونيا في غيابك.
عند ذلك أمرتها إيفا أن تعود إلى مكانها، والتفتت إلى أفلن وهو ينظر إليها، وكلاهما متحيران، ثم سألها: من هي تلك السيدة التي خاطبتني بلسانك إذن؟
Page inconnue
فاحتارت إيفا ماذا تجيب وشق عليها أن تظن السوء بهوكر وزوجته فبقيت ساكتة، فقال لها: مس إيفا أرجو منك أن تخبريني من كانت تلك السيدة، فإن عشرة آلاف ريال قسم كبير من رأس مال تجارتي.
فخافت إيفا أن يسيء أفلن الظن بها أيضا، فأجابته هي زوجة هوكر نفسه.
فصاح الرجل مضطربا: ذلك اللعين وزوجته خاناك وخاناني، فهي تأخذ الدبوس، وهو يأخذ العشرة آلاف ريال.
وعند ذلك نهض أفلن وهرول مسرعا من غير أن يودع مس كروس، أما إيفا فراحت سكرتها وجاءت فكرتها، وهي لا تكاد تصدق أن هوكر يلعب عليها هذا الدور، فاستدعت خادمها وأمرته أن يذهب إلى منزل 28 غربا في شارع 110، ويسأل إن كان يسكن فيه رجل وزوجته باسم هوكر، وإذا كان أحدهما هناك يستدعيه أو يستدعيها إليها.
فذهب الخادم وبعد برهة عاد وقال لها: إنه ليس بين السكان في ذلك الرقم أحد باسم هوكر، ولكن إحدى ربات المنازل هناك قالت: إن سيدة استأجرت منها غرفة أول أمس، ونامت فيها ليلة فقط وليلة أمس لم تنم فيها، وأنه ورد إلى المنزل خطاب باسم مسز هوكر فادعته تلك السيدة، وبعد أن أخذت ذلك الخطاب خرجت ولم تعد، والظاهر أنها لن تعود؛ إذ أخذت حقيبتها معها.
فتأكدت مس كروس حينئذ أن هوكر وزوجته لعبا عليها دورا هائلا، ولكن الواحد والستين ألف ريال لا تهمها، فلم تشأ أن تحرك ساكنا لئلا تفضح أمرها.
أما المستر أفلن فخرج من عندها، وفي الحال أبلغ الأمر إلى مدير البوليس بالتفصيل.
الفصل السادس
مؤتمر العصابة
بعد أن خرج مستر هوكر في الليلة السابقة من عند إيفا، وقد تركها ملأى حبا وسعادة ذهب إلى «تشيناتون». أما تشيناتون هذه (ومعناها بلدة الصينيين) فهي جزء من القسم الشرقي من نيويورك، ومعظم سكانه صينيون، وفيه يرتكب كثير من الفظائع.
Page inconnue
ذهب هوكر إلى هناك نحو الساعة الحادية عشرة، ودخل منزلا حقيرا؛ فوجد خمسة ينتظرونه بينهم امرأة، فحياهم بمثل الهمس، وقال: يجب أن ننقص واحدا الآن.
فقال أحدهم: بالطبع لست أنا الذي يجب أن يحذف. - لا أعني أن يحذف أحد، بل أن يبرح واحد منا هذه المدينة.
فقال آخر: هل تريد أن أبرح أنا؟
أجاب: كلا، بل تبرح ألما.
فقال واحد: لا غنى لنا عنها.
قال: لا بد من سفرها الليلة؛ لأنها لا تقدر أن تتقي تجسس البوليس السري، ولأن الدبوس يجب أن يكون معها، فلا تستطيع أن تعرضه على صائغ هنا لكي يفك حجاره.
فقال آخر: ولماذا لا نبرح كلنا؟! فإن 61 ألف ريال ودبوسا تكفينا قسطا من نيويورك، فالأفضل أن ننتقل الآن إلى بلد آخر.
فقال هوكر: لماذا نبرح نيويورك العظيمة، وحتى الآن لم يظهر منا في مرسح النصب إلا اثنان أنا وألما. أما ألما فتبرح الليلة إلى نيو أورلينس، وأما أنا فلا أبرح حتى أتمم أدواري كلها، وأشغل صحف أميركا شهرين والبوليس السري عامين.
فقالت ألما: أتعني أني أنتظر هناك. - نعم، تنتظرين هناك إلى أن يرد لك خبر جديد مني، فإذا أرسلت لك تلغرافا أقول فيه: «انتظري تلغرافي من مونتغمري» مثلا كان المعنى أن تذهبي إلى هناك في الحال، تنتظرين رسائلك وتلغرافاتك في دار البريد، تستوطنين كل 3 أيام في مكان، والآن وزعي على كل منا حصته من النقود التي معنا، وها الدبوس خذيه، ولا تحسبي حسابه حتى تباع كل جواهره فهو أمانة معك الآن، ونكل إلى مهارتك أمر فك جواهره وبيعها.
فقالت ألما: ولكن تعلمون أن جواهره منفصلة لا تساوي أكثر من ثلثي ثمنه الأصلي.
Page inconnue
فقال أحدهم: ليس أحد منا يستخونك فلك أن تتصرفي بحكمتك.
وعند ذلك وزعت ألما على كل نصيبه من غنيمة ذلك النهار، ثم قال أحدهم: يبقى الآن أن نعلم ما هي واجباتنا غدا، والبوليس يبحث عن مستر هوكر.
فأجاب هوكر: غدا لا يهتدي البوليس إلى جاك هوكر حتى الساعة الخامسة أو السادسة.
فقالت ألما: وهل يقبض عليك؟
أجاب: من غير شك يا عزيزتي.
قالت: لا أفارقك. - بل تفارقينني لأنني أبقى في إدارة البوليس حتى ضحى اليوم الثاني، ومن ثم أخرج وعلى أثر خروجي يختم الدور الثاني أو بالأحرى الثالث أو الرابع إذا حسبت أننا لعبنا على مس كروس دورين وعلى أفلن دورا.
قالت: ولماذا يقبض عليك مساء حتى تنام في السجن؟ فدع القبض يتم صباحا لكي تخرج مساء. - تعلمين أن البنوك تقفل الساعة الثالثة، فيجب أن أخرج الظهر على الأكثر؛ لكي أقبض من البنك تحويلا كبيرا إن شاء الله.
فالتفت الإخوان بعضهم إلى بعض كأنهم يستغربون، وقال أحدهم: لا علم لنا بهذا التحويل.
قال: لأنه لم يكتب بعد. - لهذا سألنا ماذا علينا أن نفعل غدا؟ - ليس عليك إلا أن تبقى كاتبا أول في مكتب جان شفلر السمسار، وعلى نوبلي أن يبقى الكاتب الثاني. وأما زيمر وبهل فيبقيان بعيدين لا نعرفهما ولا يعرفاننا حتى يعلم زيمر أني خرجت من دار البوليس فيقابلني في الحانة المعتادة. بقي أن أسألك يا ألما: هل استحضرت لي محلول يودور البوتاس؟
أجابت: نعم، ها هو وبعض القطن أيضا. - إذن تعالي أزيلي به هذه النقطة السوداء من يمين عنقي.
Page inconnue