La Preuve Conclusive de Dieu
حجة الله البالغة
Chercheur
السيد سابق
Maison d'édition
دار الجيل
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
سنة الطبع
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
وَشعْبَة: هِيَ أَحْوَال ومقامات سنية، كمحبة الله والتوكل عَلَيْهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْبَهَائِم جِنْسهَا.
وَاعْلَم أَنه لما كَانَ اعْتِدَال مزاح الْإِنْسَان بِحَسب مَا تعطيه الصُّورَة النوعية لَا يتم إِلَّا بعلوم لَا يتَخَلَّص إِلَيْهَا أزكاهم، ثمَّ يقلده الْآخرُونَ وبشريعة تشْتَمل على معارف إلهية وتدبيرات ارتفاقية وقواعد تبحث عَن الْأَفْعَال
الاختيارية وتقسمها إِلَى الْأَقْسَام الْخَمْسَة من الْوَاجِب، وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ، والمباح وَالْمَكْرُوه، وَالْحرَام، ومقدمات تبين مقامات للإحسان وَجب فِي حِكْمَة الله تَعَالَى وَرَحمته أَن يهئ فِي غيب قدسه رزق قوته الْعَقْلِيَّة يخلص إِلَيْهِ أزكاهم فيتلقاه من هُنَالك، وينقاد لَهُ سَائِر النَّاس بمنزله مَا ترى فِي نوع النَّحْل من يعسوب يدبر لسَائِر أفرادها لَوْلَا هَذَا التلقي بِوَاسِطَة، وَلَا بِوَاسِطَة لم يكمل كَمَاله الْمَكْتُوب لَهُ، فَكَمَا أَن المستبصر إِذا رأى نوعا من أَنْوَاع الْحَيَوَان لَا يتعيش إِلَّا بالحشيش استيقن أَن الله دبر لَهُ مرعى فِيهِ حشيش كثير، فَكَذَلِك المستبصر فِي صنع الله يستيقن أَن هُنَاكَ طَائِفَة من الْعُلُوم يسد بهَا الْعقل خلته فيكمل كَمَا لَهُ الْمَكْتُوب لَهُ، وَتلك الطَّائِفَة مِنْهَا علم التَّوْحِيد وَالصِّفَات، وَيجب أَن يكون مشروحا بشرح يَنَالهُ الْعقل الإنساني بطبيعته لَا مغلقا لَا يَنَالهُ إِلَّا من ينْدر وجود مثله، فشرح هَذَا الْعلم بالمعرفة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، فَأثْبت لنَفسِهِ صِفَات يعرفونها، ويستعملونها، بَينهم من الْحَيَاة والسمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْكَلَام وَالْغَضَب والسخط وَالرَّحْمَة وَالْملك والغنى، وَأثبت مَعَ ذَلِك أَنه لَيْسَ كمثله شَيْء فِي هَذِه الصِّفَات؛ فَهُوَ حَيّ لَا كحياتنا، وبصير لَا كبصرنا، قدير لَا كقدرتنا، مُرِيد لَا كإرادتنا، مُتَكَلم لَا ككلامنا، وَنَحْو ذَلِك، ثمَّ فسر عدم الْمُمَاثلَة بِأُمُور مستبعدة فِي جنسنا مثل أَن يُقَال يعلم عدد قطر الأمطار، وَعدد رمل الفيافي، وَعدد أوراق الْأَشْجَار، وَعدد أنفاس الْحَيَوَانَات، ويبصر دَبِيب النَّمْل فِي اللَّيْلَة الظلماء، وَيسمع مَا يتوسوس بِهِ تَحت اللحف فِي الْبيُوت المغلقة عَلَيْهَا أَبْوَابهَا، وَنَحْو ذَلِك، وَمِنْهَا علم الْعِبَادَات، وَمِنْهَا علم الارتفاقات، وَمِنْهَا علم الْمُخَاصمَة. أَعنِي أَن النُّفُوس السفلية إِذا تولدت بَينهَا شُبُهَات تدافع بهَا الْحق كَيفَ يحل تِلْكَ العقد، وَمِنْهَا علم التَّذْكِير بآلاء الله، وبأيام الله
وبوقائع البرزخ والمحشر فَنظر الْحق ﵎ فِي الْأَزَل إِلَى نوع الْإِنْسَان، وَإِلَى استعداده الَّذِي يتوارثه أَبنَاء النَّوْع، وَنظر إِلَى قوته الملكية وَالتَّدْبِير الَّذِي يصلحه من الْعُلُوم المشروحة حسب استعداده، فتمثلت تِلْكَ الْعُلُوم كلهَا فِي غيب الْغَيْب
1 / 59