<7> ؟
<8> ؟
<9> قال الخزري: وإن خرجنا قليلا من الغرض عسى أن تلخص لي غرض هذا المزمور.
<10> قال الحبر: إنه يناسق مع מעשה בראשית ابتدأ עוטה אור כשלמה يشير إلى יהי אור ויהי אור. נוטה שמים כיריעה إلى יהי רקיע. המקרה במים يشير إلى המים אשר מעל השמים، ثم ما يحدث في الجو من السحاب والرياح والنيران والبروق والصواعق، وإنها كلها بإذن كما قال כי בם ידין עמים. فعبر عن هذا بقوله השם עבים רכובו המהלך על כנפי רוח. עושה מלאכיו רוחות משרתיו אש לוהט. يعني أنها رسلة حيث شاء بما شاء. وكل ذلك متعلق بالרקיע. ثم انتقل إلى יקוו המים ותראה היבשה بقوله יסד ארץ על מכוניה وإن الماء بطبعه محيط فوق الأرض يغطيها كلها كالثوب سهلا وجبالا كما قال תהום כלבוש כסיתו על הרים יעמדו מים. لكن القدرة والحكمة أخرجته عن ذلك الطبع وحصرته إلى الأعماق حيث البحار حتى يكون ههنا موضع نشو الحيوان وظهور الحكمة فقال מן גערתך ינוסון كناية عن انحصارها في البحار وتحت الأرض، وإلى هذا يشير بقوله לרוקע הארץ על המים لأنه قول يضاد في الظاهر لقوله תהום כלבוש כסיתו. فهذا بحسب طبع الماء وذاك بحسب القدرة والحكمة وكما قال גבול שמת בל יעבורון בל ישובון לכסות הארץ وكل هذا مقصود لمنافع الحيوان كما يدفع الإنسان بحيله وصناعاته أكثر مياه الأودية بالأسداد وغير ذلك ليأخذ من الماء مقدار حاجته للرحى والسقي وغير ذلك. كذلك أشار ههنا بقوله המשלח מעינים בנחלים لتكون ישקו כל חיתו שדי إذا خلقت الחיה ويكون عليهم עוף השמים ישכון إذا خلق الעוף. ثم انتقل إلى תדשא הארץ بقوله משקה הרים מעליותיו كناية عن ואד יעלה מן הארץ لمنافع آدم وذريته. فما قيل מצמיח חציר לבהמה ليلا يحقر بالחציר لأنه من منافع الحيوان الأهلي بقرا غنما ودواب كنى عنها بעבודת האדם يعني الفلاحة ليستخدم هو بها ليستخرج لباب النبات لنفسه كما قال להוציא לחם מן הארץ نظير قوله הנה נתתי לכם את כל עשב זורע זרע، يعني لبابها للإنسان وقشورها لسائر الحيوان كما قال ולכל חית הארץ ולכל עוף השמים את כל ירק עשה לאכלה. وذكر الأغذية الثلاث التي تستخرج بالفلاحة وهي דגן ותירוש ויצהר. وكلها לחם. ثم ذكر منافعها יין ישמח לבב אנוש. ثم שמן - להצהיל פנים משמן، وלחם الذي هو الخبز خصوصا לבב אנוש יסעד. ثم عطف على منفعة نزول المطر للأشجار بقوله ישבעו עצי ה'. ومنفعة الشجر العالية للحيوانات كما قال אשר שם צפרים יקננו. كما أن الجبال الشامخة منافع لحيوانات آخر كما قال הרים גבוהים ליעלים، סלעים מחסה לשפנים. أنطوي جميع هذا في ذكر الיבשה. فانتقل إلى יהי מאורות بقوله עשה ירח למועדים. وذكر منافع الليل وإن الليل مقصود من قبله لا بالاتفاق، لا عبث في فعله ولا في الأعراض التابعة لفعله، لأن الليل إنما هو مدة عدم الشمس، لكنه مع هذا مقصود لمنافع كما قال תשת חשך ויהי לילה وما يتبعه من القول في ذكر الحيوان المؤذي للإنسان وتصرفه في الليل وكمونه بالنهار. والإنسان والحيوان المؤالف للإنسان بعكس ذلك, كما قال יצא אדם לפעלו ולעבודתו עדי ערב. فقد إنجرت له الحيوانات الأرضية كلها في ذكر الأنهار ثم في ذكر الأنوار وإنجر معها ذكر الإنسان، ولم يبق إلا ذكر الحيوان المائي وأكثر أحواله مجهولة. والحكمة فيها ليست ظاهرة إلينا كظهورها في هذه. فسبح على ذكر هذه التي الحكمة فيها ظاهرة بقوله מה רבו מעשיך ה'. ثم عطف على ذكر البحر وما فيه واتبعه بقوله יהי כבוד ה' לעולם ישמח ה' במעשיו كناية عن قوله וירא אלהים את כל אשר עשה והנה טוב מאד كناية عن יום השביעי וישבת ויברך ויקדש لما انكملت الأفعال الطبيعية التي تنقضي في زمان وانتهت بالإنسان إلى رتبة الملائكة المستغنية عن القوى الطبيعية إذ هي عقول لا يحتاج في أفعالها إلى زمان كما نرى العقل يتصور في آن واحد السموات والأرض فهو عالم الملكوت وعالم الراحة إذا اتصلت النفس به استراحت. ولذلك قيل في السبت أنه מעין עולם הבא.
ولنرجع إلى كلامنا على رأي أهل القياس أن العناصر لما امتزجت امتزاجات مختلفة بحسب اختلاف المواضع والأهوية والنسب الفلكية استحقت صورا مختلفة من عند معطي الصور. فكان جميع المعادن ... أن قواها وخواصها وجواهرها مزاجية فقط مستغنية عن صور إلهية، وأن الصور إنما تحتاج في النبات والحيوان التي تنسب إليها النفس. ولما امتزجت امتزاجا ألطف استحقت صورة أشرف تظهر فيها الحكمة الإلهية أكثر، فكان النبات الذي له بعض شعور وإدراك وغرا إلى الأرض فهو يغتذي من الأرض الطيبة الندية والماء العذب، وينقبض عن ضد ذلك، ويكبر حتى إذا أولد المثل وعمل بزرا وقف عمله وطلب ذلك البزر مثل ذلك العمل للحكمة الغريبة المغروزة فيه المسماة عندهم طبيعة، وهي قوة تعني بحفظ النوع إذ لا يمكن بقاء الشخص بذاته لأنه مركب من أشياء مستحيلة فكان كل ما له هذه القوى للنمو والتوليد والاغتذاء لا يتحرك الحركة المكانية فهو الذي تدبره الطبيعة على قول الفلاسفة. وبالحق أن الله يدبرها في رتبة ما وملكة ما سم إن شئت تلك الرتبة طبيعة أو نفسا أو قوة أو ملكا. ولما لطف المزاج أكثر واستعد لظهور الحكمة الإلهية فيه أكثر، استحق زيادة صورة حاشى القوة الطبيعية حتى ينال أغذيته من بعد وتكون جميع أعضائه مضبوطة لا تتحرك إلا بإرادته ويكون أملك لأجزائه من النبات الذي لا يقدر أن يحتجب مما يؤذيه ولا يقصد إلى ما ينفعه والريح تلعب به فكان الحيوان ذو الآلات المحركة له في المكان وسميت الصورة الموهوبة له زائدا على الطبيعة نفسا واختلفت الأنفس اختلافا متفاوتا بحسب تغالب الطبائع الأربع مع قصد الحكيم لحيوان حيوان لحاجة جملة العالم إليه وإن لم ندر نحن ما المنفعة في أكثرها كما لا ندري منافع آلات المركب ونظنها عبثا ويدريها صاحب المركب ومنشئه، بل كما نجهل منافع كثير من عظامنا وسائر أعضائنا لو نثرت بين أيدينا لما علمنا منفعة عظم عظم وعضو عضو على إنا بها نتصرف ونتحقق أنه إن نقصنا واحدا منها لنقصت أفعالنا وافتقرنا إليه. وهكذا جميع أجزاء العالم معلومة مضبوطة عند بارئها עליו אין להוסיף וממנו אין לגרוע. فوجب اختلاف الأنفس فوجب أن تكون آلات كل نفس مشاكلة لها فيعطي الأسد آلات الخلب بالأنياب والمخالب مع الجرأة، ويعطي الأيل آلات الهرب مع الجبن، وكل نفس تتشوق إلى تصريف قواها على ما هيئت له ولم تتعادل الطبائع في شيء من الحيوان البهيمي، فلم يتشوق إلى قبول صورة زائدة على النفس الحيوانية, لكن تعادلت في الإنسان وتشوقت إلى صورة زائدة ولا بخل عند الأمر الإلاهي فأفاض عليه صورة زائدة تسمى العقل الهيولاني المنفعل. والناس أيضا يختلفون لأن أكثرهم منحرف الطبائع فيميل عقله مع ذلك الانحراف، إن كان مع الصفراء فمعه الطيش والتهور، وإن مال إلى السوداء فمعه التأني والثبوت، والأخلاق تتبع المزاج، حتى إذا وجد الإنسان متعادل الطبائع وأضداد الأخلاق عنده في ملكه مثل كفتى الميزان العدل في يد الوزان يميلها حيث شاء بزيادة الصنج ونقصانها، فذلك الإنسان لا محالة فارج/غ القلب من الشهوات المفرطة وتشوق إلى رتبة فوق رتبته وهي الرتبة الإلهية فهو يقف حائرا فيما ينبغي له أن يأتيه في تغليب طبائعه وأخلاقه فلا يعطي القوة الغضبية سؤالها ولا الشهوانية ولا غيرها إلا مستشيرا مسترشدا أن يلهمه الله إلى الإرشاد، فذلك هو الذي يفيض عليه روح إلهي نبوي أن استحق النبوة، وإلهامي أن كان دون ذلك، وكان وليا لا نبيا إذ لا بخل عنده تعالى بل يعطي كل شيء حقه، ويسمي الفلاسفة معطي هذه الرتبة العقل الفعال ويجعلونه ملكا دون الله وأن عقول الآدميين إذا اتصلت به فهي جنتها وبقاءها الأبدي.
<11> قال الخزري: عسى لهذه الجملة تفصيلا موجزا.
<12> قال الحبر: يتبين وجود النفس بالحركات والإحساس للحيوان مخالفة للحركات الاستقصية فسمى سببها نفسا أو قوة نفسانية وتنقسم القوة النفسانية إلى ثلاث، ما اشترك فيه الحيوان والنبات وهي القوة النباتية، وما اشترك فيه الإنسان وسائر الحيوان وهي القوة الحيوانية، وما خص به الإنسان فيسمي قوة نطقية، ويتبين أمر النفس الكلية الجنسية بإعتبار الأفعال أنها من قبل الصور الحاصلة في المادة، لا من قبل المادة من حيث هي مادة، فإن السكين ليس يقطع من حيث هو جسم لكن حيث له صورة السكين، وكذلك الحيوان ليس يحس ويتحرك من قبل ما هو جسم لكن من قبل ما له صورة الحيوانية وهي المسماة بالنفس، فسميت هذه الصور كمالات لأن بها تكمل هويات الأشياء فالنفس كمال، وثم كمال أول وكمال ثان ، فالأول هو مبدأ للأفاعيل، والثاني ذات الأفاعيل الصادرة عن المبدأ، والنفس كمال أول لأنها مبدأ لا صادر عن المبدأ، والكمال إما كمال لجسم وإما كمال لجوهر ليس بجسم. فالنفس كمال # <...> لجسم طبيعي، والجسم الطبيعي إما آلي وإما غير آلي أعني أن تتم أفعاله بآلات أو دون آلات، فالنفس كمال لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي مصدر للأفعال الحيوانية بالقوة ومتهيئ لها، ويتبين أن النفس ليست صادرة عن امتزاج استقصات البدن، لأن الشيء الحادث عن امتزاج مفردات إما أن يغلب فيه أحد المفردات أو أكثر من واحد فتكون الصورة الحاصلة بحسب ذلك وإما أن تتغالب المفردات حتى لا يبقى واحد منها على صورتها فيحدث من ذلك صورة نت وسائطها، والنفس ليست من قبيل شيء من مفردات البدن، فليست إلا صورة من خارج كالنقش من قبل الطابع في الطينة المؤلفة من الماء والتراب فإنه ليس النقش من قبيل صور الماء والتراب. وأول القوى القوة الغاذية وهي كالمبدأ، والمولدة كالغاية، والمنمية كالواسطة، والرابطة بين المبدأ والغاية، وللمولدة سبوق وتقدم وإن طرت متأخرة فإنها تستولي أولا على المادة المهيأة لقبول الحياة، وتلبسها صورة المقصود بخدمة المنمية والغاذية، ثم تترك التدبير لهما إلى وقت التوليد، فالمولدة مخدومة والغاذية خادمة والمنمية خادمة ومخدومة، وللغاذية، الأربع قوى المشهورة الخادمة لها كل متحرك بإرادة حاس متحرك، وإلا كان الحس عبثا، والحكمة لا تعطي شيء عبثا ولا ضارا، ولا تمنع ضروريا ولا نافعا حتى ذوات الأصداف وإن الباطنة فأولها الحاسة المشتركة لأن المنافي والملائم إنما يدركان بالتجربة، فوجب وضع قوة متصورة ليحفظ بها صور المحسوسات وهي الحاسة المشتركة، والقوة المتذكرة الحافظة لتحفظ بها المعاني المدركة من المحسوسات، والقوة المتخيلة يستعيد بها ما أمحى عن الذكر. والقوة المتوهمة ليقف على صحيح ما يستنبط التخيل وسقيمه ضربا من الوقوف الطري حتى يعيده إلى الذكر. والقوة المحركة لاجتلاب ما يحتاج إليه من قرب وبعد ودفع الضار. وجميع قوى الحيوان إما مدركة وإما محركة. والمحركة هي الشوقية وهي ضربان إما محركة لطلب مختار وهي القوة الشهوانة وإما محركة لدفع مكروه وهي الغضبية. والمدركة ضربان إما ظاهرة كالحواس الظاهرة وإما باطنة كالحواس الباطنة. والمحركة إنما تفعل بحكم المتوهمة باستخدام المتخيلة وهي الغاية من الحيوان البهيمية إذ لم يوضع له القوة المحركة ليصلح بها أسباب الحس والتخيل بل الحاسة المتخيلة وضعت له لتصلح أسباب الحركة. والناطق بعكس ذلك أعطى الحركة لإصلاح النفس الناطقة العاملة الدراكة الحواس الخمس معلومة ومدركاتها معلومة بتوسطها يدرك أيضا الشكل والعدد والعظم والحركو والسكون تبين وجود الحاسة المشتركة من حكمنا على العسل مثلا إذا رأيناه أنه حلو. وهذا إنما هو بأن عندنا قوة مشتركة للحواس الخمس وهذه القوة هي المتصورة وتفعل في اليقظة وفي النوم. ثم قوة تركب ما اجتمع في الحس المشترك وتفرق بينهما وتوقعع الاختلاف فيها من غير أن تزول الصور عن الحس المشترك، وهذه هي المتخيلة وقد تصدق وقد تكذب. وأما المتصورة فصادقا أبدا. ثم القوة الوهمية وهي قوة حاكمة تقضي على شيء ينبغي أن يطلب وعلى شيء بأنه ينبغي أن يهرب عنه، وليس في المتصورة ولا في المتخيلة حكم وقضاء بل تصور فقط.
ثم القوة الحافظة مذكرة لمعاني ما أدركته الحواس مثل أن الذئب عدو والولد حبيب، فالمحبة والأضرار والتصديق والتكذيب للوهمية. وأما الحافظة المذكرة فتحفظ ما صدقت الوهمية. والقوة المتخيلة إذا استعملتها الوهمية سميت متخيلة. وإذا استعملتها الناطقة سميت مفكرة. والتصور في مقدم الدماغ والتخيل في وسطه. والتذكر في مؤخره. والتوهم في جميعه وأكثره في حيز التخيل. وكل هذه القوى مائتة فانية بفناء آلاتها. ولا بقاء إلا للناطقة على أنها قد تستخلص لنفسها لباب هذه القوى ضربا من الاستخلاص فتوجدها بذاتها. هذا تلخيص أقوال القوم في ما دون النفس الناطقة. وقالوا في الناطقة أنها العقل الهيولني، أو العقل بالقوة شبيه بالهيولي التي هي قرينة عدم بالفعل، وهي كل شيء بالقوة وتحصل فيها الصور المعقولة إما بإلهام إلهي وإما باكتساب. والتي بالإلهام هي المعقولات الأولى التي اشترك فيها جميع الناس الذين على المجري الطبيعي. والتي بالاكتساب فهي القياس والاستنباط البرهاني كتصور الحقائق المنطقية مثل الأجناس والأنواع والفصول والخواص والألفاظ المفردة والمركبة بالضروب المختلفة من التراكيب والقياسات المؤلفة الحقيقية والكاذبة والقضايا المنتجة نتائج ضرورية برهانية أو جدلية أو خطابية أو سوفسطانية أو شعرية وكتحقيق الأمور الطبيعية كالهيولي والصورة والعدم والطبيعة والمكان والزمان والحركة والأجرام الفلكية والأجرام العنصرية والكون والفساد المطلقين، وكون المواليد الكائنة في الجو والكائنة في المعادن والكائنة على אדים الأرض من نبات وحيوان وحقيقة الإنسان وحقيقة تصور النفس لنفسها وتصور الأمور الرياضية من العددية والهندسية المحضة والهندسية النجومية والهندسية اللحنية والهندسية المناظرية وتصور الأمور الإلهية كمعرفة مبادئ الوجود المطلق من حيث هو وجود ولواحقه كالقوة والفعل والمبدأ والعلة والجوهر والعرض والجنس والنوع والمضاد والمجانسة والإتفاق والاختلاف والوحدة والكثرة وإثبات مبادئ العلوم النظرية من الرياضية والطبيعية من المنطقية التي لا يتوصل إليها إلا بهذا العلم كإثبات المبدع الأول والمبدع الأول والنفس الكلية وكيفة الإبداع ومرتبة العقل من المبدع ومرتبة النفس من العقل ومرتبة الطبيعة من النفس ومرتبة الهيولي والصورة من الطبيعة ومرتبة الأفلاك والنجوم والكائنات من الهيولي والصورة ولما ذا جبلت على هذا الاختلاف والتقدم والتأخر ومعرفة السياسة الإلهية والطبيعة الكلية والعناية الأولية وقد تستفيد هذه النفس الناطقة صورة من الحس بأن تعرض على ذاتها ما في المتصورة والحافظة باستخدام المتخيلة والوهمية فتجد تلك الصور يشترك بعضها مع بعض في صفات وتفترق في صفات آخر، ومن تلك الصفات صور ذاتية ومنها عرضية، فتفصلها وتركبها وتستنبط الأجناس والأنواع والفصول والخواص والأعراض ثم تركبها تركيبا قياسيا فتنتج منها فوائد النتائج بإعانة العقل الكلي المفيد لها وأن استعانت أولا بالقوى الحسية فهي غير محتاجة إليها في تصور هذه المعاني في ذاتها وفي تركيب القياسات منها لا عند التصديق ولا عند التصور وكما أن القوى الحسية إنما تدرك بتشبه من المحسوس كذلك القوى العقلية إنما تدرك بتشبه من المعقول بتجريد الصورة عن المادة والإتصال بها، إلا أن القوة الحاسة لا تفعل بإرادة كما تفعل الناطقة، بل تحتاج إلى القوة المحركة ومعونة الوسائط الموصلة الصور إليها. وأما القوة العاقلة فتعقل بذاتها وتعقل ذاتها متى شاءت، ولذلك قيل القوة الحاسة منفعلة والعاقلة فاعلة. وليس العقل بالفعل غير صور المعقولات مجردة في ذات العقل بالقوة. ولذلك قيل إن العقل بالفعل عاقل ومعقول معا. ومن خواص العقل أن يوحد الكثير ويكثر الواحد بالتركيب والتحليل، والعقل وإن ظهر فعله بزمان في تركيب القياسات بالرؤية والفكرة فإن تحصيله لنتيجة لا يتعلق بزمان، بل ذات العقل مرفع عن الزمان. والنفس الناطقة إذا أقبلت على العلوم سمي فعلها عقلا نظيرا. وإذا أقبلت على قهر القوى البهيمية سمي فعلها سياسة وسمي عقلا عمليا. وقد تسعد القوة النطقية في بعض الناس من الإتصال بالعقل الكلي بما ينزهها عن استعمال القياس والرؤية وتكفي المؤنة بالإلهام والوحي وتسمى خاصيتها هذه تقديسا. فتسمى روحا مقدسا. ومن براهين جوهرية النفس وإنها ليست جسما ولا عرضا إنها صورة الجسم لا تتقسم بذاتها كتقسم الجسم ولا بالعرض كتقسم العرض بتقسم حاملة فإن اللون والرائحة والطعم والحرارة والبرودة قد تتقسم بذاتها. والصورة العقلية إنما هي المعقول. والمعقول من الإنسان مثلا لا يقبل القسمة إذ لا يتصور نصف إنسان ولا جزء من إنسان إنسانا كما تتصور جزء من الجسم جسما وجزء من اللون لونا، وكذلك اللون والجسم من حيث هما معقولان فلا يتصور فيهما قسمة. فلا نقول نصف لون معقول ونصف جسم معقول كما نقول نصف ذاك الجسم محسوس ونصف اللون المحمول عليه المشار إليه، ولا يقال نصف النفس الناطقة التي في زيد كما نقول نصف بدنه إذ لا تتميز ولا تتحيز بجهة من الجهات ولا يشار إليها. فإذا لم تكن جسما ولا عرضا قائما بالجسم حالا فيه، وقد ظهر وجودها بما يصدر عنها من الأفعال. فلم يبق إلا أن تكون جوهرا قائما بذاته متصفا بصفات الملائكة والجواهر الإلهية وآلاتها الأول الصور الروحانية المتشكلة في وسط الدماغ من الروح النفساني بالقوة المتخيلة تصيرها فكرية إذا تحكمت فيها وركبتها تركيبات وفصلتها تفصيلات تؤدي إلى انتاج علم. وقد كانت قبل ذلك تخييلية إذ كانت تتحكم فيها القوة الوهمية كما يعرض في الأطفال وفي البهائم وفي ما انحرف مزاجه بمرض حتى تتعامى تلك الأشكال على النفس فلا تتآتي لاستيفها النظر في الرأي المقصود فيأتي الرأي ناقصا وهميا كله أو بعضه، ومن الدلائل على مفارقة النفس الجسد واستغناءها عنه أن القوى الجسمية تضعف بمدركاتها القوية كالعين عند الشمس والأذن عند الصوت القوى بفساد آلاتها. والنفس الناطقة ليست كذلك، بل تقوى كلما أدركت علما أقوى. ومن ذلك أن الهرم ينال البدن ولا ينال النفس، بل تقوي بعد الخمسين سنة والبدن في الإنحطاط.
ومن ذلك أن أعمال البدن متناهية وأفعال النفس غير متناهية إذ الصور الهندسية والعددية والحكمية غير متناهية. والدليل على وجود جوهر عقلي مفارق للأجسام يقوم للنفس مقام الضوء للبصر وأن النفس إذا فارقت الأجسام اتحدت به أن النفس لم تحصل علمومها بالتجربة لأن ما حصل بالتجربة ليس يحكم عليه قطعا، لأنه ليس يقطع الإنسان حكما إن كل إنسان لا يحرك أذنيه كما يقطع أن كل إنسان حساس، وكل حساس حي، وكل حي جوهر، وإن الكل أكثر من الجزء، وغير ذلك من المعقولات الأول. لأن اعتقادنا صحة الآراء ليس يصح بتعلم وإلا فستسلسل إلى ما لا نهاية له فهو إذن من فيض إلهي يتصل بالنفس الناطقة وهذا الفيض ما لم يكن له هذه الصورة العلية الكلية لم يمكن أن ينقشها في النفس الناطقة وكل ما فيه صورة عقلية في ذاته فهو جوهر غير متجسم فإذا هذا الفيض جوهر عقلي لا متجسم قائم بذاته وتصور النفس للصورة كمال لها وإنما يحصل عند الإتصال بهذا الجوهر العقلي، لكن عاق عن ذلك الإتصال شغل البدن، فلا يصح الإتصال التام إلا برفض جميع قوى البدن، فإنه لا مانع لها عن الإتصال به غير البدن، فإذا فارقته بقيت مكملة متعلقة به، آمنة من الفساد، متصلة بهذا الجوهر الشريف المكنى بالعلم الأعلى وغير هذا من القوى فإنما فعله بالبدن فيذهب بفساد الآلة لكن النفس الناطقة قد تصورتها وأخذت لبابها كما تقدم.
<13> قال الخزري: أرى لهذا الكلام الفلسفي فضل تدقيق وتحقيق على سائر الكلام.
Page inconnue