<42> قال الخزري: لقد قطعت يا حبر بهذه الكليات التي لا أقدر أن أنكرها عن جزئيات كانت في نفسي من حجج القرائيين كنت أظن أن أفحمك بها.
<43> قال الحبر: إذا صحت الكليات فلا تبال بالجزئيات فكثيرا ما يدخلها الوهم، ثم لا نهاية لها لأنها تتشعب ولا ينفك المتناظران من شجبها وهذا كمن تقرر عنده عدل الخالق وإن حكمته شاكلة فلا يلتفت إلى ما يظهر في الدنيا من الغور. وكما قال ... وكمن صح عنده بالبرهان بقاء النفس بعد فناء الجسد وإنها ليست جسمية لكن جوهر مفارق للجسد كالملائكة فلا يلتفت إلى ما يعترضه الوهم من عدم أفعال النفس عند النوم وعند المرض المستغرق للفكر ومن اتباعها لمزاج البدن وغير ذلك من الأفكار المشجبة.
<44> قال الخزري: مع هذا لست أقنع حتى أتشفى من مناظرتك بالجزئيات وإن كان علي في ذلك نقد بعد إقراري بالكليات التي أوردتها.
<45> قال الحبر: قل ما شئت.
<46> قال الخزري: أليس القصاص بينا في ال.. في قوله..
<47> قال الحبر: ألم يقل أثر ذلك ...، أليس هذا الدية، وهلا قال من قتل فرسك أقتل فرسه، لكن قال خذ فرسه إذ لا منفعة لك في قتل فرسه، وكذلك من قطع يدك وخذ دية يده إذ لا منفعة لك في قطع يده. لا سيما وينطوي في هذه الأحكام ما يناقضه العقل من ... كيف لنا تقدير ذلك، وربما مات أحدهما من جرحه ولم يمت الآخر من مثلها. وكيف لنا حتى تخرص مثلها؟ وكيف نقلع عين أعور في حق من كانت له عينان فيبقى الواحد أعمى والآخر أعور وال.. تقول ... وما ضرورتي أن أناظرك في هذه الجزئيات بعد تقديمي ضرورة التقليد مع صدق المقلدين وجلالتهم وعلمهم واجتهادهم.
<48> قال الخزري: مع هذا لقد يعجبني تحفظهم من النجاسات.
<49> قال الحبر: ال... وال.. معنيان متضايفان لا يوجد أحدهما إلا بوجود الآخر فحيث لا ... لا ... لأن معنى ال... إنما هو أمر يحرم على صاحبه الدنو بشيء من أمور ال.. مما يوهل لله كال... ومأكلهم وملابسهم وال... والقرابين و... وغير ذلك كثير. وكذلك معنى ال.. أمر يحرم على صاحبه الدنو بأمور كثيرة مشهورة. وأكثر ذلك متعلق بحضرة ال... وقد عدمناها. وما عندنا من تحريم مباشرة ال.. وال.. ليس من قبل ال..، لكن شريعة مجردة من الله. وكذلك ما عندنا من ابعاد مؤاكلتها والاسترهاب من قربها إنما هي تحظيرات وسياجات كي لا تكون طرقه لمباشرتها. وأما فرائض ال.. فساقطه عنا لأنا في ... و... فضلا عن كل ما نتصرف فيه من ال... وال.. وال... وال.. وال.. وغير ذلك. وكذلك تحرم علينا ال.. وليس من قبل نجاستها، لكن شريعة مجردة في تحريم ال.. وشوط ال.. زائد. ولولا قولهم .. لما لزم لزوما شرعيا لكن لزوم .. وتنظيف. فإن كان التزامهم هذا لمعنى النتظيف فلا بأس بذلك، من غير أن يلزموا شرعا، وإلا فقد حصلوا متحكمين عن جهل منهم ومغيرين في الشرع ومسببين لل.. أعني شتات المذاهب الذي هو أصل فساد الملة، وخروجها عن ... و.. فإن كل ما نسهل نحن من ال.. وإن كان سمجا يسهل وبجنب ما يسبب رأيهم من ال..، حتى يكون في دار عشرة أناس بعشرة مذاهب، فإن لم تكن الشرائع عنده مضبوطة إلى حدود لا تتجاوزها لم يثق أن يدخل فيها ما ليس منها ويخرج عنها بعض ما فيها، لأنه يأخذ بقياسه وذوقه فيسهل على ال... من ذهب وفضة وبخور وخمر، وفي الحقيقة إن الموت دون ذلك أجود. ويصعب عليه أن ينال من الخنزير ولي في دواء وهو في الحقيقة من ال... الخفيفة يلزم فيها .. وكذلك كان يسهل على ال.. أكل الزبيب والعنب أكثر من الשכר من نبيذ العسل أو نبيذ التفاح. وفي الحق ضد هذا إذ التحريم إنما هو لما خرج من الدالية فقط، وليس الغرض تحريم الשכר كما يقع في الظن، بل السر هو في علم الله وعم أنبيائه وأوليائه، ولا يمكن تجهيل الناقلين والقياسيين في هذا، لأن لفظه ... مشهورة معلومة. ونقلوا أن .. و.. المقول في ال.. يقتضي أنواع المسكر كلها. وإن .. و.. المقول في ال.. إنما هو عن عصارة العنب فقط، فللشرائع حدود مستقصاه في العلم وإن سمجت عند العمل. والمتحري يتجنبها من غير أن يحرمها مثل .. الذي هو مباح لأنا لسنا على ثقة من موت ذلك الحيوان. ولقائل أن يقول أنه سيبرأ فيحل. والטרפה من حيوان ظاهر الصحة محرم لأن به علة قاتلة ولا بد لا يمكن أن يعيش بها، ولا أن يبرأ منها فحرم. وعند اللذة والتعقل تأتي هذه الأحكام بالعكس، فلا تتبع ذوقك وقياسك في فروع الشرائع فتوقعك في شكوك تدعو إلى الמינות. ولن تتفق مع صاحبك في شيء منها فإن لكل واحد من الناس ذوقا وقياسا. وإنما ينبغي أن تنظر إلى الأصل من المنقول والمكتوب والقياسات المستعملة بالقانون المنقول لرد الفروع إلى الأصول. فما أخرجتك إليه فأعتقده ولو نافره وهمك وظنك كمو ينافر الظن والوهم عدم الخلاء، والقياسات العقلية قد نفت الخلاء، وكما ينافر الظن إمكان التقسم للجسد إلى ما لا نهاية والقياس العقلي يوجب ذلك، وكما ينافر الوهم كرية الأرض وكونها جزء من مائة وستين من قرصة الشمس. وكل ما في براهين إلهية من ما ينافره الوهم، فكل ما أحل العلماء لم يكن لذوق ولا لما يظهر إليهم ببادئ الرأي بل بنتائج العلم الموروث والمنقول عندهم وكل ما حرموا كذلك. فمن أجز عن علمهم يأخذ كلامهم بالذوق أنكر عليهم كما تنكر العامة أقوال الطبيعيين والفلكيين، وهم إذا تقصو حدود الفقه وأعطوا الحلال والحرام محض الفقه عرضوا عليك ما يسمج من تلك الحدود، كما يسمجون أكل בשר כס כס وأخذ مال بحيل فقهية واستعمال السفر في السبت بحيل من الערוב، واستحلال النساء بحيل يحل بها الزواج وحل الإيمان والنذور بأصناف الערמות التي يجوزها النظر الفقهي مجردا عن الاجتهاد الديني والأمران يحتاج إليهما معا، لأنك إن أفردت النضر الفقهي جاز في حدوده أنواع من التحيل لا يمكن ضبطها. وإن تركت الحدود الفقهية التي هي سياج الشريعة وعولت إلى الاجتهاد كان سببا للמינות وتلف الكل.
<50> قال الخزري: أما هكذا فإني أقر للرباني الذي يجمع هذين الوجهين بفضله على القرئي في الظاهر والباطن ويحصل مع هذا طيب النفس على شريعته لأنها منقولة عن أسناد موثوقين بأن علمهم من عند الله تعالى فإن القرئي لو بلغ اجتهاده ما بلغ فإنه لا تطيب نفسه إذ يدري أن اجتهاده تقايس وتحكم فلا يثق أن عمله ذاك هو المرضى عند الله تعالى ويدري أن في الأمم كثيرا من يجتهد أكثر من اجتهاده. لكن بقي على مسائلتك في الערוב وهي رخصة في شريعة السبت، كيف يستحل ما حظره الله تعالى بتلك الحيلة الهينة الهجينة.
<51> قال الحبر: وعياذنا بالله تعالى إن يتفق جماهير فضلا وعلما على ما يحل عروة من عرى شريعة الله تعالى، بل هم الذين يؤكدون ويقولون ועשו סייג לתורה. ومن جملة السياجات التي سيجوا أن حرموا الהוצאה والהכנסה מרשות יחיד לרשות רבים وبالعكس، ما لم تحرم ذلك الתורה. ثم طرقوا في ذلك السياج طرقة الرخصة كي لا ينزل اجتهادهم بمنزلة شريعة وكي يكون مرفقا للناس في التصرف، ولا ينالوا ذلك المرفق إلا بإذن. والإذن هو عمل الערוב ليكون إمازة بين المباح جملة وبين السياج وبين المحظور.
Page inconnue