الشيء نفسه حدث لي في فترة ما بعد الظهر، عندما جلست في صالة الانتظار - التي كانت مرة أخرى على طراز مصطنع للعصور الوسطى، ولكن كان بها كراسي حديثة بمساند من الجلد وطاولات بأسطح زجاجية - مع بعض البراندي والسيجار. كنت أرى أشباحا، ولكنني كنت إجمالا مستمتعا بالأمر. في الحقيقة، كنت قد أفرطت في الشرب بعض الشيء وكنت آمل أن تأتيني المرأة ذات الشعر الأشقر لأتعرف عليها؛ ولكنها لم تظهر قط. لم أخرج إلا وقت تناول الشاي تقريبا.
تمشيت إلى السوق وانعطفت يسارا. المتجر! كان هذا غريبا! منذ إحدى وعشرين سنة مضت، يوم جنازة والدتي، مررت عليه بعربة أجرة، ورأيته مغلقا تعلوه الأتربة، ولافتته محترقة بفعل لهيب نفخ السمكري، ولم أكن أهتم به قيد أنملة. والآن، عندما كنت بعيدا جدا عنه، وعندما كانت ثمة تفاصيل بالفعل عما بداخل المنزل لم يكن بإمكاني تذكرها، أثرت علي مجرد فكرة رؤيته مرة أخرى في قلبي ومعدتي. مررت بمتجر الحلاق، وكان لا يزال متجرا للحلاقة، ولكن اسمه تغير؛ حيث خرجت من بابه رائحة اللوز والصابون الدافئة، ولكنها لم تكن جيدة كرائحته القديمة حيث عطر ما بعد الحلاقة وتبغ اللاذقية. المتجر - متجرنا - كان يبعد مسافة عشرين ياردة. يا إلهي!
تبدو فوقه لافتة ذات مظهر فني - رسمها الرجل نفسه الذي رسم لافتة فندق جورج، لا عجب في ذلك - تحمل الكلمات التالية:
صالة شاي ويندي
قهوة صباحية
كعك بيتي.
صالة شاي!
أتصور أنه إن كان قد أصبح متجرا للجزارة أو لتجارة الأدوات المعدنية أو أي شيء آخر غير الحبوب، لكان له الأثر نفسه علي. من السخيف أنه لأنه قد صادف وولدت في منزل معين أن تعتقد أن لديك الحق فيه لبقية حياتك، ولكنك تفعل ذلك. حسنا، كان المكان جيدا؛ ستائر زرقاء في النوافذ، وكعكة، أو كعكتان، في مكان ما، مغطاة بالشكولاتة وبجوزة واحدة موضوعة أعلاها. دخلت المتجر، ولم أكن أريد أن أتناول الشاي في الواقع، ولكني أردت أن أراه من الداخل.
كان من الواضح أنهم حولوا كلا من المتجر والردهة القديمة إلى أماكن لتناول الشاي وما شابه. أما عن الساحة الخلفية حيث كان صندوق القمامة ورقعة الأعشاب الصغيرة التي كان يزرعها أبي؛ فقد عبدوها بالكامل وزينوها بالطاولات البسيطة ونباتات الكوبية وغيرها من الأشياء. دخلت إلى الردهة، ورأيت مزيدا من الأشباح! البيانو والنصوص على الجدار، والكرسيين بالمسندين الأحمرين القديمين الكبيرين حيث كان يجلس أبي وأمي متقابلين حول المدفأة يقرآن صحيفتي «صن داي بيبول» و«نيوز أوف ذا وورلد» في يوم الأحد ما بعد الظهيرة! زينوا المكان بطراز أكثر قدما من ذلك الذي زين به فندق جورج، حيث الطاولات القابلة للطي ونجفة من الحديد المطاوع وأطباق البيوتر المعلقة على الجدار وما إلى ذلك. هل لاحظت مدى الإعتام الذي يعدون به دائما صالات الشاي ذات الطابع الفني تلك؟ أفترض أن هذا جزء من أجواء العصور القديمة. وبدلا من النادلة العادية، كانت هناك شابة في رداء منقوش، والتي قابلتني بتعبير بارد. طلبت منها شايا، وأتت به بعد عشر دقائق. تعلم هذا النوع من الشاي، الشاي الصيني، الذي يكون خفيفا للغاية لدرجة أنك قد تعتقد أنه ماء حتى تضع عليه الحليب. كنت جالسا تقريبا في المكان نفسه الذي كان فيه كرسي أبي ذو المسندين. كدت أسمع صوته وهو يقرأ «مقطعا»، كما كان يسميه، من صحيفة «صن داي بيبول» عن الآلات الطائرة الجديدة، أو الرجل الذي ابتلعه حوت أو ما شابه. جعلني ذلك أشعر بإحساس شديد الغرابة بأني مدع كاذب، وأنه بإمكانهم أن يطردونني إن اكتشفوا من أكون، ولكن في الوقت نفسه كنت أتوق لأن أخبر أحدا أنني قد ولدت هنا، وأنني أنتمي إلى هذا المنزل، أو بالأحرى (وهو ما كنت أشعر به بالفعل) أن المنزل ينتمي إلي. لم يكن أحد غيري يحتسي الشاي، وكانت الفتاة ذات الرداء المنقوش واقفة أمام النافذة، ويمكنني أن أقول إنني لو لم أكن هناك لنظفت أسنانها بعود ثقاب أو ما شابه. تناولت إحدى شرائح الكعك التي جلبتها لي. إنه كعك بيتي! بالطبع كان كذلك. كعك بيتي بالسمن النباتي وبدائل البيض. ولكن في النهاية، كان علي أن أتحدث، فقلت: «هل تعيشين في لوير بينفيلد منذ وقت طويل؟»
أجفلت وبدت متفاجئة ولم تجب. فحاولت مرة أخرى قائلا: «لقد كنت أعيش في لوير بينفيلد منذ وقت طويل.»
Page inconnue