42
رجال الشرطة شياطين. وهم يملكون جحيم الأرض، وينفثون النيران في الوجوه الشاحبة. يطرقون الأبواب بأيد أليفة كالأحباب، ثم يفتحون البيوت كالأعاصير. ويقف الكهل بين أيديهم مجردا من الكرامة، فيفترس الخوف قلبه، ويوقن بأن الحياة وهم وضياع. وينقبون الجدران والحشيات والجيوب والخزائن، فتتلاشى المسرات والأخيلة. عند ذاك يسير بينهم بلا أرجل، بلا أعين، بلا غد، تطن في أذنيه همهمة مغلفة باللعنات، وإن يتبقى له رمق فسيردد بصوت محشرج: لقد انتهيت. - اسمك؟ - حسني حجازي. - عمرك؟ - خمسون عاما. - مهنتك؟ - مصور سينمائي. - أتعترف بأنك مالك هذه الأشرطة السينمائية؟ - أجل. - وأنك عرضتها على عشرات من البنات القاصرات؟ - أجل. - وأنك مارست معهن الجنس. - أجل. - ألا زلت عند قولك عن علاقتك العابرة بسمراء وجدي؟ - كلا، أعترف بأنها كانت صديقة قديمة. - أكانت تجيئك بالبنات لمشاهدة أفلامك الجنسية؟ - أجل. - وما علاقتك بعليات ابنة المتهم عبده بدران؟ - كانت صديقة. - ألم تكن يوما عشيقتك أيضا؟ - بلى. - أتعترف بأنك يسرت لها الإجهاض؟ - نعم. - كيف؟ - استعنت بسمراء وجدي. - وهل اعترفت لك سمراء بأنها عشقت عليات؟ - نعم. - هل استعانت بك لتحقيق رغبتها الآثمة؟ - نعم، ولكني حاولت صرفها عنها. - أأرشدتها إلى مكان عم عبده بدران؟ - سألتني عن مكان عملها، فقلت لها إني أجهله بالتحديد، وإن كنت أعرف أنها موظفة بالشئون، وقلت لها أيضا إن علاقتها بي منقطعة تقريبا، وإنني لا أعرف أخبارها إلا عرضا، وفي مقهى الانشراح، حيث يعمل والدها نادلا به، ولم أكن أتصور أنها ستقوم بزيارتها الغريبة التي انتهت بمصرعها. - ولم قامت بزيارتها الغريبة؟ - كانت مصممة على الانتقام من عليات لعدم إذعانها لرغبتها الآثمة، فانقضت عليها، وهي جالسة مع خطيبها وأخبرته على مسمع منها بحكاية الإجهاض، ولما خاب المسعى ولم يصب الهدف، أعادت التجربة مع الأب؛ فقتلها. - أتعتقد أن ذلك هو الباعث الحقيقي وراء جريمة عم عبده؟ - ولا باعث غيره في رأيي. - ألديك أقوال أخرى؟ - كلا.
كان حسني حجازي ينطلق بسيارته في أطراف المدينة عند الفجر. توقدت أعصابه، فقضت على أي أمل في النوم. وطاردته أشباح التخيلات طيلة الوقت. ستجري التحريات حول سمراء وجدي، وستكشف عاجلا عن عالم حافل بالجنون والغرائب. إنه خبير بهذه الأمور. سرعان ما يعرف كل شيء. وسيجر التحقيق العشرات من البنات والفتيات. وقريبا تجتاح العاصفة العاتية عشه السحري السعيد، ويكبله القيد الحديدي. ماذا يوجد في بيت سمراء وجدي من صور وأرقام تليفونات وأسماء؟ ترى هل تدون مغامراتها في مذكرات؟ هل يدعى إلى التحقيق؟ هل يزج به في السجن؟ هل ينتحر؟ هل من مخرج؟
43
اجتمعت عليات وحامد في دار الشاي الهندي. كانت منهوكة الأعصاب دامية العينين. واستعان هو بقواه الكامنة؛ ليواجه الموقف، ولكنه كان يعيش بوجدانه في جو مليء بالمخاوف المجهولة. وجعلت تردد: أبي .. أبي .. يجب إنقاذه. - هذا هو المأمول حقا، ولكن كيف؟
قالت مصممة: بأي ثمن. - سنبذل ما نستطيع وفوق ما نستطيع. - نحن نعرف كل شيء. - أجل .. وهو مصر على الصمت صونا لسمعتك.
فقالت وهي تكتم انتحابها: لن أتخلى عنه. - لن نتركه لينال عقوبة رهيبة لا يستحقها!
فرنت إليه بنظرة دامعة، وقالت: ذاك يعني أن نشهد بما نعلم. - لا مفر من ذلك. - ولكن هل يصدقوننا؟ - من رأيي أن نعهد بالقضية إلى الأستاذ حسن حمودة، وأن نشاوره في الأمر قبل أن ندلي بشهادتنا. - طيب. - فالطريق واضح.
فعضت على شفتيها وتمتمت: سيعلن السر على الملأ. - أجل. - وستنشأ مصاعب ومتاعب.
فقال بإشفاق: ربما. - إني أضحي لإنقاذ أبي، ولكني سأجرك معي!
Page inconnue