قالت كارين: «حقا؟ أتعنين أنكما انفصلتما؟»
قالت روزماري: «ذلك إذا كان من الممكن أن ينفصل اثنان مثلنا.» •••
كانت أضواء السيارات لا تزال تغمر طرقات المدينة كلها، وفي الوقت نفسه تنبعث منها حول الجسور الممتدة ذات المنعطفات والجداول المائية أسفلها. لم تكن سيارة روزماري تحتوي على مكيف هواء؛ ليس لأنها لا تستطيع تحمل ثمنه، بل لأنها لا تؤمن بضرورته؛ ولهذا فقد كان من الضروري أن تفتح نوافذ السيارة مما أدى إلى تسلل ضوضاء السيارات الأخرى كالنهر المتدفق. كانت روزماري تكره القيادة في تورونتو، حتى إنها تستقل الحافلة حين تأتي مرة أسبوعيا لمقابلة الناشر الذي تعمل معه، وفي أوقات أخرى يقلها ديريك. ظلت كارين صامتة وهما تنحرفان عن طريق المطار السريع، واتجهتا شرقا على طريق 401، ثم انعطفتا بعد نحو ثمانين ميلا - سيطر خلالها شرود الذهن على الأم بين الحين والآخر - إلى الطريق السريع الثانوي الذي يصل بهما إلى حيث تعيش روزماري.
قالت كارين: «إذن فقد رحل ديريك! هل سافر في رحلة؟»
ردت روزماري: «ليس على حد علمي. وحتى لو فعل، ما كنت لأعرف.» «وماذا عن آن؟ ألا تزال هناك؟»
قالت روزماري: «هذا محتمل؛ فهي لا تذهب إلى أي مكان.» «هل أخذ كل أغراضه معه؟»
كان ديريك قد أتى بأغراض تفوق بكثير ما لزمه للعمل في التأليف مستعينا برزم كثيرة من النصوص، ووضعها في الكارافان حيث تعيش روزماري. وما كانت هذه الأغراض سوى كتب بالطبع؛ ولكنها ليست فقط الكتب التي سيستخدمها كمراجع، بل كتب ومجلات يقرؤها في فترات استراحة تتخلل عمله بينما هو مستلق على فراش روزماري، وأسطوانات موسيقى، وملابس وأحذية طويلة الرقبة ينتعلها إذا ما قرر أن يتنزه سيرا على قدميه بين الشجيرات، وحبوب لعلاج اضطرابات المعدة ونوبات الصداع، بل إنه أحضر معه أخشابا ومعدات لصنع مظلة خشبية. كان يحتفظ في دورة المياه بأدوات الحلاقة، وكذلك الفرشاة ومعجون الأسنان المخصص للثة الحساسة. وكانت مطحنة القهوة الخاصة به على طاولة المطبخ (وكانت هناك مطحنة أخرى أحدث وأفخر ابتاعتها آن ووضعتها على طاولة المطبخ داخل المنزل الذي كان لا يزال يسكن فيه).
قالت روزماري: «لم يترك منها شيئا.» ثم توقفت بالسيارة بجوار متجر كعك - كان لا يزال يفتح أبوابه - على أطراف أول مدينة قابلتاها على الطريق السريع.
قالت: «سأبتاع قهوة لتبقيني يقظة.»
عادة عندما كانت روزماري تتوقف أمام هذا المتجر وبصحبتها كارين وديريك من قبل، لم تكن الابنة وديريك يترجلان عن السيارة؛ فديريك لم يكن يحتسي تلك القهوة، وكان يقول لكارين: «أمك تدمن ارتياد مثل هذه الأماكن؛ لأن طفولتها كانت بائسة.» لم يكن يعني أن روزماري كانت تصطحب لمثل هذه الأماكن، وإنما كانت محرومة من دخولها، كما كانت محرومة من كل الأطعمة المقلية أو المحلاة، وأجبرت على الالتزام بحمية قوامها الخضراوات والعصيدة اللزجة. ولم يكن هذا لفقر والديها - فقد كانا ثريين - وإنما لهوسهما وخوفهما من أطعمة بعينها منذ الصغر. عرف ديريك روزماري لفترة قصيرة - مقارنة بالسنين التي عرفها فيها تيد، والد كارين - لكنه كان يتحدث بسلاسة أكثر من تيد عن طفولتها وإفشاء أسرار تلك الفترة - مثل طقس الحقنة الشرجية الأسبوعي - التي كانت روزماري تتجاهل الحديث عنها.
Page inconnue