في الأفق كانت هناك قمة جبل، ومن تحتها تمتد القرية تخترقها مواسير ضخمة كالأنابيب، غارقة فيما يشبه المياه السوداء ، وآبار لها فوهات واسعة يتدفق منها سائل يشبه الزئبق له رائحة الجاز، امتزجت به رائحة البشر، وشيء أشبه بالسردين المملح أو الفسيخ، وكلاب ميتة في الطريق صدمتها المركبات المسرعة في الليل.
انحدر الطريق ومعه المرأة، كانت تسير بخطواتها السريعة متجهة نحو هدفها، حقيبتها معلقة بالحزام فوق كتفها، أطفال القرية يلعبون في البركة أمام الجامع، رجال عجائز جلسوا القرفصاء على الأرض العراء، عكفوا على النظر إلى أصابع أقدامهم، ومن حين إلى حين يرفعون عيونهم إلى السماء ويحدقون في اللاشيء، طابور طويل من النسوة المختفيات تحت العباءات السوداء يسرن بخطوة بطيئة، فوق رءوسهن البراميل.
كفت النسوة عن الحركة، وهن يرقبن المرأة، لمعت عيونهن من خلال الثقوب الصغيرة، لكن المرأة مضت في طريقها، الإزميل في يدها ولا شيء يعنيها إلا البحث، توفقت لحظة تمسح العرق بكم ثوبها وتحملق حولها، كانت الأنابيب تلتوي وتمتد بلا نهاية، والطريق ينحدر إلى البركة، أخرجت من حقيبتها خريطة صغيرة نظرت فيها طويلا ثم رفعت إلى السماء عينين شبه غائمتين، في تلك اللحظة مرت بها طفلة من القرية، كانت ترتدي العباءة السوداء ولا شيء يظهر منها إلا عينان صغيرتان، سألتها عن الطريق لكن الطفلة انتفضت وابتعدت مسرعة.
بدت الحيرة على وجهها، ونوع من الاضطراب، كان الأفق يتسع وبعض طيور تحلق في الجو، حركة الأجنحة ومن خلفها زرقة السماء أعادت إلى نفسها بعض الثقة، الطريق يبدو أمامها مأمونا، لكن الأرض تزداد بلولة وتلين تحت قدميها، والقرية بدت كأنما تغوص إلى أغوار البركة.
من مكانها حيث وقفت حملقت حولها، أي قرية هذي؟ حركت قدميها لتواصل السير لكن عاصفة هبت فجأة كادت تقتلعها من الأرض، لولا أنها ثبتت قدميها، وأمسكت في جدار راح يهتز تحت ثقل جسمها.
أفاقت على أصوات تشبه الغمغمة، رأت الطفلة واقفة من بعيد تتحدث إلى طفلة أخرى، تقرب كل منهما رأسها ثم تنظران ناحيتها، أرادت أن تنادي عليهما وتسألهما عن اسم القرية، زعقت بأعلى صوتها، رأتهما تستديران، وأدركت من ظهرهما المقوس أنهما امرأتان عجوزتان.
نظرت إلى الساعة في يدها، كانت السابعة وعشرين دقيقة، ضربت الأرض بالإزميل، وخطر لها سؤال، أيمكن حقا أن تعيش الإلهات تحت سطح الأرض؟ ألا يكون ذلك مجرد خدعة بقصد استدراجها إلى هذا المكان؟
أغمضت عينيها فيما يشبه النوم، رأت الغرفة المربعة الأركان العارية من الأثاث، والسرير من الخشب يتسع لاثنين يعلوه غطاء أصفر باهت، بقعة دم قديمة فوق الغطاء، رف عليه بعض كتب عن الحفريات، وتمثال صغير من الحجر للإله ذي الثدي الواحد، وصورة الإله إخناتون له ثديان بارزان وردفان كبيران.
من وراء دخان الغليون يرمقها رئيسها في العمل، كان يؤمن بأن الإله الذكر يمكن أن يكون له ثدي أو ثديان، لم يكن يؤمن بوجود الإلهات، وإن وجدت واحدة فهي زوجة الإله وليست إلهة حقيقية.
زميلاتها وزملاؤها في القسم كانوا يؤمنون بما يؤمن به رئيسهم، جاءوا إلى قسم الحفريات عن طريق اليأس، يمطون شفاههم حين ينطقون الكلمة، «حفريات»، تجذبهم الموميات أكثر مما تجذبهم الكائنات الحية، عيونهم تتجه إلى أسفل كأنما إلى بطن الأرض، تكاد تكون مشيتهم واحدة، العنق يبدو ملتويا والجفن مسدل فوق العين، عظمة الأنف منكسة، الردفان سمينان متهدلان من طول الجلوس وراء المكتب.
Page inconnue