How to Love God and Long for Him
كيف نحب الله ونشتاق إليه
Maison d'édition
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
وهي كذلك أدوات تطهير من أثر الذنوب والغفلات التي يقع فيها العبد «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» (١).
فجميع الأقدار التي يُقدَّرها الله ﷿ لعباده تحمل في طياتها الخير الحقيقي لهم وإن بدت غير ذلك.
فعلى سبيل المثال: الرزق، فالله ﷿ يبسط الرزق للبعض ويضيقه على البعض لعلمه سبحانه بما يصلح عباده، ألم يقل سبحانه ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧].
فمنعه الرزق الوفير عن بعض الناس ما هو إلا صورة من صور رحمته، وشفقته بهم. قال ﷺ: «إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه» (٢).
هذه المعاني العظيمة لا يمكن تذكرها واستحضارها بصورة دائمة، وممارسة مقتضاها في الحياة العملية إلا إذا تمكن حب الله من القلب وهيمن عليه، فمفتاح: ﴿رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ هو: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤].
جاء في الأثر أن الله تعالى يقول: «معشر المتوجهين إليَّ بحبي، ما ضركم ما فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظًا، وما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلمًا» (٣).
وكان عامر بن عبد قيس يقول: أحببت الله حبًا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني بكل قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت (٤).
نعم، أخي فإننا إن أحببنا الله حبًا صادقًا أحببنا كل ما يرد علينا منه سبحانه.
لما قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وقد كان كُفَّ بصره، جاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، فأتاه عبد الله بن أبي السائب فقال له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فرد الله عليك بصرك؟ فتبسم وقال: يا بنيَّ، قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته، فدخل عليه مطّرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله، فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة قال: لا تبك، فإن أحَبَّه إلى الله أحبه إليّ (٥).
ثانيًا: التلذذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها
كلما ازداد حب العبد لربه ازدادت مبادرته لطاعته واستمتاعه بذكره، وكان هذا الحب سببًا في استخراج معاني الأنس والشوق إلى محبوبه الأعظم، والتعبير عنها من خلال ذكره ومناجاته.
هذه المعاني ما كانت لتخرج إلا إذا فُتح لها باب الحب، فالمحب يقبل على محبوبه بسعادة، ويطيع أوامره برضى، لا تحركه لتلك الطاعة سياط الخوف من عقوبة عدم أدائه للعمل، بل يحركه ما حرك موسى ﵇ عندما قال لربه ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه: ٨٤] وكذلك ما جعل رسولنا ﷺ يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».
إن هناك بالفعل سعادة حقيقية ومتعة وشعور باللذة والنعيم يجدها المحب في مناجاته وذكره وخلوته بربه، وهذا ما يُطلق عليه: «جنة الدنيا»، هذه الجنة من الصعب علينا أن ندخلها من غير باب المحبة.
_________
(١) متفق عليه.
(٢) صحيح، أخرجه الإمام في المسند، والحاكم عن أبي سعيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١٨١٤).
(٣) المحبة لله سبحانه للإمام الجنيد/٦٠ - دار المكتبي.
(٤) استنشاق نسيم الأنس لابن رجب/ ٣٦.
(٥) صلاح الأمة في علو الهمة ٤/ ٥١٦.
1 / 9