كيفية دعوة عصاة المسلمين إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة
كيفية دعوة عصاة المسلمين إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة
Maison d'édition
مطبعة سفير
Lieu d'édition
الرياض
Genres
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
كيفية دعوة عصاة المسلمين إلى اللَّه تعالى
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى اللَّه تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Page inconnue
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «كيفية دعوة عصاة المسلمين إلى اللَّه تعالى» بيّنت فيها بإيجاز الأساليب والوسائل والطرق المناسبة في كيفية دعوتهم إلى اللَّه تعالى على حسب أحوالهم، وعقولهم، ومجتمعاتهم.
واللَّه تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل اليسير مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد اللَّه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر ضحى يوم الخميس ٢٥/ ٢/١٤٢٥هـ
1 / 3
توطئة:
إن من حكمة القول في الدعوة إلى اللَّه - تعالى - أن يُخاطب الناس على قدر عقولهم، وأحوالهم، وعقائدهم، وأوضاعهم، وليس من الحكمة أن يُخاطب المسلم - في توجيهه وإرشاده وحثّه على الالتزام والتمسك بدينه - كما يُخاطب الملحد، أو الوثني، أو اليهودي، أو النصراني، أو غيرهم من الكفار.
ولا شك أن المسلمين ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول من المسلمين: وهم الذين ينقادون للحق ولا يعاندون، فهؤلاء يكفي في دعوتهم بالقول الحكيم أن يبيَّن لهم الحق علمًا وعملًا واعتقادًا، وحينئذ ينقادون لذلك - بإذن اللَّه تعالى -.
أما القسم الثاني من المسلمين: وهم الذين عندهم غفلة وشهوات وأهواء، وهم عُصاة المسلمين، فهذا القسم تكون دعوتهم بالحكمة القولية حسب المباحث الآتية:
المبحث الأول: الموعظة الحسنة وأنواعها.
المبحث الثاني: الترغيب والترهيب.
المبحث الثالث: حكمة القول التصويرية.
المبحث الرابع: الدعوة بالقوة القولية والفعلية.
1 / 4
المبحث الأول: الموعظة الحسنة وأنواعها:
الموعظة: هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والقول الحق الذي يُلين القلوب، ويؤثر في النفوس، ويكبح جماح النفوس المتمردة، ويزيد النفوس المهذبة إيمانًا وهداية (١)، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ (٢)، وقال سبحانه: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (٣).
والداعية إلى اللَّه - تعالى - ينبغي أن يكون وعظه للناس بالقول الحكيم على نوعين: تعليم، وتأديب.
النوع الأول: وعظ التعليم:
وهذا النوع يكون ببيان عقائد التوحيد، وبيان الأحكام الشرعية الخمسة: من الواجب، والحرام، والمسنون، والمكروه، والمباح، ويراعى في ذلك كله ما يُناسب كل طبقة، والحث على التمسك بها، والتحذير من التهاون فيها.
_________
(١) انظر: فتاوى ابن تيمية، ١٩/ ١٦٤، ومفتاح دار السعادة لابن القيم، ١/ ١٩٥، والتفسير القيم لابن القيم، ص٣٤٤، وهداية المرشدين لعلي محفوظ، ص٧١.
(٢) سورة النساء، الآية: ٦٦.
(٣) سورة النور، الآية: ١٧.
1 / 5
ومن تدبر أسلوب القرآن علم أن الأحكام ينبغي أن تُساق إلى الناس مساق الوعظ الذي يليِّن القلوب، ويبعثها على العمل، ولا تسرد سردًا خالية من وسائل التأثير، ومما يوضح ذلك قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١).
فالأمر بتقوى اللَّه بعد النهي عن إتيان النساء في المحيض، والأمر بإتيانهن في موضع الحرث، والأمر بالتقديم لأنفسنا تحذيرًا من مخالفة هذا الهدي الإلهي، وقوله: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ﴾ إنذار للذين يُخالفون عن أمره بأنهم يُلاقون جزاء مخالفتهم في الآخرة، ويحاسبون على أعمالهم. وقوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تبشير للطائعين الذين يقفون عند الحدود، ويتبعون هدى اللَّه – تعالى – والمبشر به عام يشمل منافع الدنيا، ونعيم الآخرة، وحصول كل خير، واندفاع كل شر – رتّب على الإيمان – داخل في هذه الآية.
ومما يزيد ذلك وضوحًا وبيانًا أن اللَّه ﷿ بعد أن ذكر أحكام
_________
(١) سورة البقرة، الآيتان: ٢٢٢ - ٢٢٣.
1 / 6
الفرائض وتقسيم التركات ختم ذلك بقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (١).
وهذان مثالان يُبينان أن الداعية إلى اللَّه إذا سلك في هذا النوع طريقة القرآن الكريم؛ فإنه سيجتذب الأسماع، ويأخذ بمجامع القلوب ويلينها، وحينئذ تستقبل العقائد والأحكام بإذن اللَّه ﷿ للعمل والتطبيق برغبة واشتياق (٢).
النوع الثاني: وعظ التأديب:
وهذا يكون بتحديد الأخلاق الحسنة: كالحلم والأناة، والشجاعة، والوفاء، والصبر، والكرم ...، وبيان آثارها ومنافعها في المجتمع، والحثّ على التخلق بها والتزامها، وتعريف وتحديد الأخلاق السيئة: كالغضب، والعجلة، والغدر، والجزع، والجبن، والبخل، ... والتحذير عن الاتصاف بها من طريقي: الترغيب والترهيب.
وينبغي للداعية إلى اللَّه أن يستشهد في كل من النوعين بما جاء
_________
(١) سورة النساء، الآيتان: ١٣ - ١٤.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير، ١/ ٢٦٦، ٤٦٢، وتفسير السعدي، ١/ ٢٧٨، ٢/ ٣٥، وهداية المرشدين لعلي محفوظ، ص١٤٣.
1 / 7
فيه من الكتاب والسنة الثابتة عن النبي ﷺ، وآثار الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وأحوالهم في ذلك؛ فإن لهذا شأنًا عظيمًا يوصّل إلى الغاية المقصودة متى صدر من قلب سليم نقيّ متخلّق بما يدعو إليه؛ لأن الموعظة في الغالب إذا صدرت من القلب وقعت في القلب، وإن خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.
وإذا أراد الداعية أن تكون موعظته مُؤثرة بليغة، فإن عليه الآتي:
١ - ينظر إلى المنكرات المنتشرة، ولا سيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس.
٢ - ثم يقدم من هذه المنكرات أكبرها ضررًا، وأسوأها أثرًا، فيجعلها محور خطابته، وموضع موعظته.
٣ - ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا المنكر من الأضرار: الخلقية، والاجتماعية، والصحية، والمالية.
٤ - ثم يستحضر ما جاء في ذلك من الآيات، والأحاديث الصحيحة، أو الحسنة، وأقوال الصحابة، والأبيات الشعرية الحكيمة.
٥ - ثم يأخذ في كتابة الموضوع إن شاء كتابته، ويضمنه ما فيه من تلك المضارّ، وما ورد فيه عن الشارع، محذرًا من الوقوع فيه، حاثًّا على التوبة منه.
أما إذا أراد الحثّ على العمل الصالح النافع، فيتبع ما يلي:
1 / 8
١ - يفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيرًا عميقًا
٢ - يستحضر ما يُناسبه من الكتاب وصحيح السنة وآثار الصحابة
٣ - ثم يسلك في الكتابة المسلك السابق
فإذا كتب الموضوع، فإن شاء حفظه وألقاه، وإن شاء ذكر مضمونه، وذِكْرُ المضمون أحسن الأمرين، حتى لا يكون مقيدًا بعبارة خاصة، ويتخيّر من العبارات ما يُؤدي إلى المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته وتسطيره في ذاكرته التي قواها بالمران والتجارب والممارسة كان ذلك أحسن وأكمل، وبتوفيق اللَّه ﷿ ثم بإعداد الموضوع واستحضاره بأدلته تمامًا، وتقسيمه بحسب نقطه إلى أقسام، يكون الداعية في مأمن من الزلل بإذن اللَّه تعالى.
وبعد ذلك ينبغي أن يراعي في حال التأدية والإلقاء استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم متجنبًا الألفاظ البعيدة عن أفهامهم، ويتوسط مع أوساط الناس، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيمًا يضع الأشياء في مواضعها، وبكل حال عليه أن يختار المعاني النفيسة، وتنسيقها، وشرحها بالدقة، وإبلاغها أذهان السامعين، وإنفاذها في قلوبهم، ودفع السآمة والملل عنهم، بإيراد الشواهد عليه من الحكم النثرية
1 / 9
والشعرية، والفكاهات الأدبية، بشرط التزام ظلال الكتاب والسنة، وبذلك يكون الداعية موفقًا مؤثرًا بإذن اللَّه – تعالى – إذا قصد إبلاغ الناس بإخلاص وصدق ورغبة فيما عند اللَّه – تعالى - (١).
_________
(١) انظر: هداية المرشدين، ص١٤٥، ١٩٢.
1 / 10
المبحث الثاني: الترغيب والترهيب
من حكمة القول في أسلوب الدعوة إلى اللَّه - تعالى - مع عصاة المسلمين وغيرهم: أن يسلك الداعية في دعوته إلى اللَّه مسلكي: الترغيب والترهيب؛ لأنه أسلوب له تأثيره في نفوس كثير من البشر؛ فإن الإنسان جُبِلَ على حب الخير، والرغبة في الحصول على كل محبوب، كما طُبِعَ على بغض الشر، وما يُصيبه من بلاء في النفس، أو المال، أو الأهل، وحينئذ فغريزة حب الإنسان لنفسه تدفعه إلى أن يحقق لها كل خير، ويحميها من كل شر، سواء كان ذلك عاجلًا أو آجلًا؛ ولذلك فالترغيب والترهيب يفيض بهما بحرا الكتاب والسنة (١)، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (٢).
فالقرآن يهدي لأقوم الطرق، وأوضح السبل، ومن هدايته الترغيب بوعد الطائعين الحافظين لحدود اللَّه - تعالى - بعظيم الخير، وتبشيرهم بحسن المثوبة، والترهيب بوعيد المخالفين الذين تعدوا حدود اللَّه - تعالى - بشديد العذاب، وإنذارهم بسوء العاقبة،
_________
(١) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، ١/ ٣٠١، ومعالم الدعوة للديلمي، ١/ ٤٩٤، وهداية المرشدين، ص١٩٢.
(٢) سورة الإسراء، الآيتان: ٩ - ١٠.
1 / 11
ومن المعلوم يقينًا أن الوعد بالخير يعمّ خير الدنيا والآخرة وسعادتهما، والوعيد يشمل نقم الدنيا والآخرة وشقاءهما (١).
وهذا يجعل الداعية إلى اللَّه - تعالى - يهتم اهتمامًا بالغًا بهذين الأسلوبين الحكيمين، وسأتناول ذلك - بإذن اللَّه تعالى- بشيء من الإيضاح في المسلكين الآتيين:
المسلك الأول: الترغيب والتبشير
المسلك الثاني: الترهيب والإنذار.
المسلك الأول: الترغيب والتبشير:
من الحكمة القولية في الدعوة إلى اللَّه أن يذكر الداعية إلى اللَّه من هذا المسلك ما يُفيد في حمل الناس على التشمير عن ساعد الجد في طاعة اللَّه - تعالى - لنيل السعادة في الدنيا والآخرة.
والترغيب قسمان:
القسم الأول: الترغيب في جنس الطاعات
القسم الثاني: الترغيب في أنواع الطاعات.
القسم الأول: الترغيب في جنس الطاعات:
وهذا القسم له أنواع وصور متعددة، أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
_________
(١) انظر: تفسير ابن كثير، ٣/ ٢٦، والسعدي، ٤/ ٢٦٤.
1 / 12
النوع الأول: الترغيب بالوعد بالخير العاجل في الدنيا:
عندما يتحقق الإيمان والاستقامة عليه بطاعة اللَّه - تعالى - وتقواه تحصل السعادة والبركات العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، وما في الآخرة أعظم، ومن صور هذه الخيرات ما يأتي:
١ - الترغيب بالوعد بالحياة الطيبة والسلامة من كل مكروه، قال تعالى ترغيبًا في صالح العمل مع الإخلاص فيه والمتابعة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (١).
٢ - الترغيب بالوعد بالاستخلاف في الأرض والتمكين: قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (٢).
٣ - الترغيب بالوعد بالإمداد بأنواع الخيرات والزيادة مع الشكر، قال تعالى عن نوح ﷺ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
_________
(١) سورة النحل، الآية: ٩٧.
(٢) سورة النور، الآية: ٥٥.
1 / 13
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ (١)، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (٢).
٤ - الترغيب بالمد في العمر إلى استيفاء الآجال، وعدم المعاجلة بالعقوبة، قال تعالى: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ (٣)، فمن عبد اللَّه واتقاه، وأطاع رسوله ﷺ، وتاب من جميع المعاصي، غفر اللَّه له ذنوبه، ومدّ في عمره، ودفع عنه الهلاك إلى حين استيفاء أجله (٤).
٥ - الترغيب بالوعد بأنواع التأييد والنصر والتوفيق:
(أ) الوعد بولاية اللَّه - تعالى -: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ (٥).
(ب) الوعد بالدفاع عنهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (٦).
_________
(١) سورة نوح، الآيات: ١٠ - ١٢.
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ٧.
(٣) سورة إبراهيم، الآية: ١٠.
(٤) انظر: تفسير البغوي، ٣/ ٢٧، ٤/ ٣٩٧، وتفسير ابن كثير، ٤/ ٤٢٥، وتفسير السعدي، ٤/ ١٢٧، ٧/ ٤٨١.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٢٥٧.
(٦) سورة الحج، الآية: ٣٨.
1 / 14
(ج) الوعد بالكفاية: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (١).
(د) الوعد بالنصر: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢).
(هـ) الوعد بالعزة والعلو: ﴿وَللَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٣)، ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (٤).
(و) الوعد بمحبة اللَّه للمؤمنين: وهذا باب واسع، قد ذكر اللَّه فيه أنه يحب التوابين، والمتطهرين، والمتقين، والمحسنين، والصابرين، والمتوكلين، والمقسطين، والذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص (٥).
(ز) الوعد بمحبة عباد اللَّه للمؤمنين ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (٦).
_________
(١) سورة الطلاق، الآية: ٣.
(٢) سورة الروم، الآية: ٤٧.
(٣) سورة المنافقون، الآية: ٨.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٣٩.
(٥) انظر: سورة البقرة، الآية: ٢٢٢، وآل عمران، الآيات: ٧٦، ١١٦، ١٣٤، ١٤٨، ١٥٩، والمائدة، الآية: ٤٢، والتوبة، الآيتان: ٤، ٧، والصف، الآية: ٤.
(٦) سورة مريم، الآية: ٩٦. وانظر البخاري مع الفتح، ١١/ ٣٤٠، ١٣/ ٤٦١، ومسلم ٤/ ٢٠٣٠.
1 / 15
(ح) الوعد بالهداية والتوفيق، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (١).
(ط) الوعد بعدم تسليط الأعداء عليهم: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ (٢).
(ي) الوعد بالأمن، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (٣).
(ك) الوعد بحفظ سعي المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ (٤).
(ل) الوعد بازديادهم من العلم والفهم: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ (٥).
النوع الثاني: الترغيب بذكر سنة اللَّه تعالى فيمن مضى من عباده المخلصين:
من حكمة القول مع عُصاة المؤمنين في دعوتهم إلى اللَّه ﷿ أن
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٥٤.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٤١.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٨٢.
(٤) سورة الكهف، الآية: ٣٠.
(٥) سورة التوبة، الآية: ١٢٤.
1 / 16
يبين لهم أن سنة اللَّه لا تتخلف في نصرة عباده المؤمنين ورحمته بهم حين يتجهون إليه - سبحانه - بإظهار كمال العبودية له، والافتقار إليه، وهم في حالة من الكرب أو الضيق أو الحاجة، فتدركهم رحمته سبحانه: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (١)، ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (٢).
وفي ذكر الداعية إلى اللَّه سنة اللَّه فيمن مضى من عباده المؤمنين إطماع لعباد اللَّه في الحصول على أمثالها للمؤمنين إذا اتجهوا إلى اللَّه - تعالى - بقلوب صادقة، وترغيب للمعرضين في انقيادهم لأمر اللَّه - تعالى - حتى يكونوا من المحسنين، فتصيبهم رحمة اللَّه - تعالى - (٣)، وهذا النوع له أمثلة كثيرة جدًا، منها ما يلي:
١ - إجابة اللَّه لدعوة آدم وحواء بعد أن وقَعَا في المعصية، ثم تابا إلى اللَّه: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (٤)، ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ...﴾ (٥).
_________
(١) سورة الأعراف، الآية: ٥٦.
(٢) سورة النمل، الآية: ٦٢.
(٣) انظر: معالم الدعوة للديلمي، ١/ ٥٠٠.
(٤) سورة الأعراف، الآية: ٢٣.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٣٧.
1 / 17
٢ - إجابته تعالى لنبيه أيوب بعد أن بلغ به الضر منتهاه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ (١).
٣ - استجابته تعالى ليونس: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢)، ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (٣).
٤ - إنجاؤه تعالى لأنبيائه وعباده المؤمنين عند حلول العذاب بأقوامهم المكذبين، وهذا باب واسع، ومن ذلك إنجاء نوح (٤)، وهود (٥)، وصالح (٦)، وإبراهيم ولوط (٧)، وشعيب (٨)، وموسى
_________
(١) سورة الأنبياء، الآيتان: ٨٣ - ٨٤.
(٢) سورة الأنبياء، الآيتان: ٨٧ - ٨٨.
(٣) سورة الصافات، الآيتان ١٤٣ - ١٤٤.
(٤) انظر: سورة يونس، الآية: ٧٣.
(٥) انظر: سورة هود، الآية: ٥٨.
(٦) انظر: سورة هود، الآية: ٦٦.
(٧) انظر: سورة الأنبياء، الآيتان: ٧٠ - ٧١.
(٨) انظر: سورة هود: الآية: ٩٤.
1 / 18
وهارون (١)، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من بني إسرائيل (٢)، وغيرهم، فقد أنجى سبحانه هؤلاء ومن تبعهم وأهلك أعداءهم.
النوع الثالث: الترغيب بالوعد بالخير الآجل الأعظم في الآخرة:
جاء في كتاب اللَّه - تعالى - وفي سنة رسوله ﷺ الوعد بالخير الآجل، والنعيم المقيم والرضوان، والأمن التام، والرحمة والمغفرة وتكفير السيئات، كل ذلك لمن تحقق فيه شرط الإيمان والعمل الصالح، وهذا باب واسع يزخر به بحر الكتاب والسنة، ولا يتسع المقام لذكر الأمثلة على ذلك.
فعلى الداعية العناية بكتاب اللَّه وسنة رسوله ﷺ حتى يقدم للناس القول الحكيم الذي يرضي الرب الحكيم (٣).
النوع الرابع: الترغيب بذكر أحوال المؤمنين في الجنة وما أعد اللَّه لهم:
وهذا النوع من الترغيب يزخر به كتاب اللَّه - تعالى - وسنة رسوله ﷺ، ولا يحصر ما أعد اللَّه لعباده المؤمنين في جنات النعيم من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، ولهذا قال ﷺ فيما يرويه عن ربه ﵎: «قال اللَّه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت،
_________
(١) انظر: سورة الصافات، الآيات: ١١٤ - ١١٦.
(٢) انظر: سورة الأعراف، الآيات: ١٦٤ - ١٦٦.
(٣) انظر: سورة الأنعام، الآية: ٨٢، وطه، الآيات: ٨٠ - ٨٢، والفرقان، الآية: ٧٠، والبينة، الآيتان: ٧ - ٨.
1 / 19
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرأوا إن شئتم: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ﴾» (١)، وهذا مما يجعل العاقل يشمِّر عن ساعد الجدَّ؛ ليسعد بهذا الفوز العظيم، والسعادة الأبدية، والنعيم الدائم الذي يعجز دونه الوصف، ومن هذا النعيم على سبيل المثال (٢):
ما ذكر اللَّه من نعيم أهل الجنة وصفاتهم، ومن ذلك:
رضوانه تعالى؛ فإنه أكبر النعيم (٣)، وأنهار الجنة (٤)، ومساكن أهلها (٥)، وزوجاتهم (٦)، وحُليهم (٧)،
_________
(١) البخاري مع الفتح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ٦/ ٣١٨، (رقم ٣٢٤٤)، ومسلم، كتاب الجنة، ٤/ ٢١٧٥، برقم ٢٨٢٥.
والآية من سورة السجدة، الآية: ١٧.
(٢) انظر صفة الجنة ونعيمها وأحوال أهلها، وبعض ما أعد الله لهم، في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ٦/ ٣١٧ - ٣٢٩، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، ٤/ ٢١٧٤ - ٢٢٠٦، وجامع الأصول في أحاديث الرسول ﷺ، فقد ذكر عشرة أنواع من صفة الجنة ونعيمه، ا ١٠/ ٤٩٤ - ٥١٢، ثم ١٠/ ٥٢٠ - ٥٢٣، ثم ذكر عشرة أنواع من صفات أهل الجنة ونعيمهم، ١٠/ ٥٢٣ - ٥٣٧، ثم ١٠/ ٥٤٤ - ٥٥٦، فكان ذكره لنعيم الجنة وعذاب أهل النار، ١٠/ ٤٩٤ - ٥٦٤، وانظر أعظم كتاب ألف في الجنة، هو: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم ‘، ذكر فيه سبعين بابًا.
(٣) انظر: سورة التوبة، الآية: ٧٢.
(٤) انظر: سورة محمد، الآية: ١٥.
(٥) انظر: سورة التوبة، الآية: ٢٣.
(٦) انظر: سورة الصافات، الآيات: ٤٠ - ٤٨.
(٧) انظر: سورة الكهف، الآية: ٣١.
1 / 20
وطعامهم (١)، وشرابهم (٢)، وصفاتهم (٣)، وأطوالهم (٤)، وفواكههم (٥)، ولباسهم (٦)، وأعظم نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه اللَّه الكريم (٧)، فالداعية إذا استخدم هذا النوع من الترغيب يجذب قلوب الناس إلى الرغبة في هذا النعيم الدائم.
القسم الثاني: الترغيب في أنواع الطاعات:
وهذا القسم مهمٌّ جدًّا لا يقل أهمية عن القسم الأول، والناس يحتاجون إليه؛ ليشمروا عن ساعد الجد في عمل أنواع الطاعات، فينبغي للداعية إلى اللَّه أن لا يغفل هذا الجانب، ويهتم بترغيب الناس بالأقوال الحكيمة في أنواع البر والإحسان، وجميع أنواع الطاعات: كحثهم على تحقيق كلمة الإخلاص، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد لإعلاء كلمة اللَّه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وغير ذلك.
_________
(١) انظر: سورة الطور، الآيتان: ٢٧، ٢٨، والواقعة الآيات: ١٠ - ٤٠.
(٢) انظر: سورة الإنسان، الآيات ٥ - ٢٢.
(٣) انظر: البخاري مع الفتح، ٦/ ٣١٨، ٣٦٢، ومسلم، ٤/ ٢١٨٠.
(٤) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، ٦/ ٣٦٢، (رقم ٣٣٢٦).
(٥) انظر: سورة الرحمن، الآيات: ٥٢ - ٦٨، والواقعة، الآيات: ١٩ - ٣٣.
(٦) انظر: سورة الكهف، الآية ١٥، وسورة الحج، الآية: ٢٣.
(٧) انظر: سورة يونس، الآية: ٢٦، وسورة ق، الآية: ٣٥، وسورة القيامة، الآيتان: ٢٢ - ٢٣.
1 / 21