وكذلك العناصر الأربعة ..
أما الأثير فيحيا في الأعالي في تفكير خالص.
وأما النور فهو فضي في الأيام الصافية،
والأرض زرقاء بلون البنفسج
علامة على الحب.
15
هكذا ينظر إلى الأشياء والأحداث بعين الشاعر، ويعبر عنها بلغة تصدق عليها كل الصدق، في جمل مكثفة واضحة محددة المعالم والأطراف، مغروسة في أعماق الرؤية الأسطورية بكل جلالها وقداستها. ولذلك تأتي هذه الأبيات بسيطة وبريئة وساذجة، أعني أنها بعيدة كل البعد عن الافتعال والصنعة والتجريب بهدف التجريب. ولذلك أيضا يقترب هذا الشعر من روح الفلسفة، وإن ابتعد عن نهجها المرتب ولغتها المجردة. صحيح أن هلدرلين قد اشتغل بالفلسفة واتصل بالفلاسفة، ولا شك أنه لم يخرج من ذلك صفر اليدين، ولكن طبيعته الشاعرة تمردت عليها، بل بلغ به السخط عليها أن وصفها بالطغيان واتهم أحد أعلامها بالتزمت، وضاق بفنونها الجدلية وحيلها النقدية وغرائبها الصورية أشد الضيق! وأعلن مقته للتفكير الميتافيزيقي المجرد الذي غلب على روح العصر، حتى يمكن أن نقول معه إن «عقول الهواء ذات الأجنحة الميتافيزيقية» كانت من أقوى الأسباب التي عجلت بفراره من مدينة «يينا». فقد كانت هذه المدينة أشبه بالحلبة التي يتصارع عليها الفلاسفة، والحياة فيها كالحياة في معسكر أو قشلاق. ولذلك فليس عجيبا أن يتسلل منها في جنح الليل، إذ كيف يعيش الراعي الطيب في معسكرات الجنود، وكيف يطيق الشاعر المسكين أن يحيا في حلبة يتصارع فيها المتلاكمون بالمذاهب والأفكار؟ .. وكيف لا يشعر المتجول القلق أنه غريب في المدينة، ووحيد أمام القصر الرائع الذي شيدته المثالية المجردة؟
العاشق
«لا بد أن أصل لهذا السر الأكبر، الذي يمنحني الحياة أو الموت!»
ديوتيما ...
Page inconnue