هل من مشمر
هل من مشمر
Maison d'édition
دار القاسم
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعل الخير باقيًا في هذه الأمة إلى يوم القيامة، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وبعد:
فإن الطريق إلى الدار الآخرة طويلة شاقة .. يعتريها بعض الكسل والفتور والإعراض والنفور ..
وقد جمعت بعض مداخل ومسالك تعين السائر في الطريق وتحث الراكب على المسير .. ولم أكتبها ليعرفها القارئ، ويطلع عليها فحسب، أو ليتذوقها، ويتمتع بالأسلوب والطرح فيها .. فهذا لا يعذر به.
ولكني كتبتها تذكيرًا وتنبيهًا .. وحثًا وتيسيرًا ..
ينيخ القارئ ركابه حولها فيحمل واحدة وثانية وثالثة .. وكلما فتر وطاب له الكسل .. قلب صفحات الكتاب فرأى بغيته .. ونال منيته.
فلعله يجد في طلب واحدة أو أكثر .. إن كان من أصحاب الهمم العالية ممن يتحرقون شوقًا لخدمة الإسلام، ويتشوقون لرؤية راية التوحيد عالية .. ممن أنعم الله عليهم بالتوفيق والسداد والهمة والنشاط.
1 / 3
جعل الله لنا نصيبًا من ذلك ورزقنا الإخلاص في القول والعمل.
عبد الملك بن محمد القاسم
1 / 4
مدخل
هل من مشمر؟ !
نعم هناك مشمرون ..
ولكن التشمير إلى أين؟ !
إنه إلى جنة عرضها السموات والأرض ..
مسارعة للخطى .. وتقوية للعزائم .. وحث للنفوس ..
إنها خطوات في الطريق إلى هناك، حيث الموقف العظيم .. ثم -برحمة الله- إلى روح وريحان وجنة نعيم.
نستدرك بالتشمير تقصيرنا .. ونعوض بالسير القويم تكاسلنا وتأخرنا.
هل من مشمر؟ !
كل يوم في طريق .. وكل حين في سبيل ..
خطوات متسارعة وقفزات متتابعة ..
نسد الفرج .. ونغلق الثلم.
نحصن أنفسنا .. ونبني ديارنا ..
هل من مشمر؟ !
ندار لمن تأخر عن الركب .. ولا يزال يرى القافلة .. شمر عن ساعدك .. واستدرك أيامك ..
هل من مشمر؟ !
إنها دعوة للتشمير .. فهل من مشمر؟ !
1 / 5
نداء
إلى شباب الأمة ..
إلى أبناء الإسلام
إلى حملة الدعوة ..
من غيركم يشمر؟ !
1 / 6
التشميرة الأولى
نتحدث بأصوات مرتفعة في مجالس كثيرة .. أوقاتنا ضائعة وأيامنا مهدرة .. فلا نستفيد منها.
تمر علينا الشهور والسنون دون فائدة ..
ويتحول ذلك الحديث نحو مصب واحد يتفق عليه الجميع .. إنها مشاغل الحياة وزحمة الأعمال ..
وتتوالى الأعذار الواهية .. فتنفرج الأسارير وكل يجد بغيته .. ويلقي باللوم على غيره! !
ولكن عندما رأيته كالجبل ثابتًا قوة ورسوخًا .. أعمال ينجزها في أيام ومشاريع يفكر فيها في ساعات .. هو الذي يخطط ويكتب وينفذ .. ثم يتابع بدقة جميع الأعمال.
هل عرفته؟ !
إنه شاب في مقتبل العمر .. مثل كثير من الشباب له وظيفة ولديه زوجة وأطفال ووالدة وأهل ..
له مشاغل في الحياة وهموم في النفس ..
له تلاميذ في الجامعة .. وله ابن يمرض وزوجة لها مطالب .. وسيارة تحتاج إلى إصلاح .. إنها متطلبات الزمن! !
ولكنه يختلف عنا بحياة في قلبه، وحرقة في كبده .. لقد نذر نفسه لخدمة هذا الدين .. فاتجه إلى خدمته عبر إحدى الهيئات والمؤسسات الخيرية.
1 / 7
شعلة من نشاط، وقبس من نور .. إجازته تكون في متابعة أعمال المؤسسة في الخارج .. أعمال لا نهاية لها ..
حدثني مرة أنه يستعد للبدء في رسالة دكتوراة! !
ولم يكن يدور في خلدي أنه رغم هذه المشاغل والأعباء يلازم دروس العلماء بعد الفجر .. وأحيانًا أخرى بعد صلاة المغرب إلا عندما أقنعني بالحضور وتعللت بضيق الوقت .. فاجأني بأنه يحضر درس الشيخ العلامة بعد الفجر! !
قلت في نفسي .. وعيني تتابع جسمه النحيل وبنيته الضعيفة .. يكفي منك عشرة .. يكفي أن تنجب أمهات المسلمين عشرة مثلك.
لم يكن تعجبي يطال علماء الأمة ومشايخها فقد عملنا حرصهم على الوقت ومحافظتهم على دقائقه وثوانيه .. ولكن تعجبي أن هذا الشاب في مثل سني وسنك .. ورغم ذلك ركب المركب الصعب .. وبذل نفسه واستطاع أن يجمع بين الدين والدنيا! !
ونحن -أخي الحبيب- فرطنا في الكثير .. وما علمنا إلا القليل.
بقي أن نشمر سويًا، فالأبواب مفتوحة، وطرق الدعوة متعددة .. ومجالات العمل فيها تتناسب مع قدرات كل فرد قل تعليمه أو ارتفع.
فكل في طريق .. وكل على ثغرة.
والقطرات تصب في نهر لتجتمع وتروي ظمأ المسلمين في
1 / 8
مشارق الأرض ومغاربها .. دعوة وإغاثة وإصلاحًا ..
تتألم وأنت ترى شباب الأمة تضيع أيامه وتهدر أوقاته .. وهي أوقات غالية نفيسة تشترى بالمال! !
أخي الحبيب .. هل من مشمر؟ !
1 / 9
التشميرة الثانية
اجتمعت مجموعة من الشباب المتحمس لنشر دين الله .. الباحثين على مواطن الخير .. وبدءوا في البحث عن عمل ينفع المسلمين .. وكانت الفكرة .. إنهم هواة المراسلة؟ ! قال أحدهم متعجبًا:
ماذا نفعل بهواة المراسلة، وهم ليسوا من مجتمعنا وبيننا وبينهم المفاوز والقفار؟ !
ولكن من طرح الفكرة أوضح الأمر:
هؤلاء شباب وفتيات المسلمين من أقطار مختلفة يرسلون صورهم وعناوينهم إلى مجلات منحطة منحلة .. ويطلبون المراسلة، وبهذا تقام علاقات بين الرجال والنساء وبين الرجال والرجال .. إنه أمر مؤسف.
ضياع وقت، وانحلال أخلاق، وخسارة مادية! !
وسنكون ممن يراسل هؤلاء استجابة لطلبهم، ولكن بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة والكتاب المفيد.
إنهم في حالة فراغ يستقبلون ما نرسل لهم، بل إنهم في أشد الشوق لرؤية هذه الكتيبات التي تملأ مكتباتنا .. وهم لا يجدونها.
والأمر بالنسبة لنا ميسور .. كل واحد منا يأخذ من إحدى المجلات الأسماء والعناوين ونبدأ من الأسبوع القادم مراسلتهم.
وكان ذلك .. ففي الجلسة الثانية .. قرروا توزيع العمل بينهم .. قال أحدهم: يكون لكل فرد منا دولة معينة يرسل لها
1 / 10
الرسائل. وتم ذلك وبدءوا بعشرة عناوين .. اختاروا كتابًا في العقيدة وآخر في الرقائق والتوبة وثالثًا في الأذكار وعمل اليوم والليلة.
شهر واحد فإذا بالرسائل ترد تحمل الخير والبشر والرجوع والعودة .. لقد تاب على أيديهم الكثير، واهتدى على أيديهم الكثير ..
أوقاتهم مشغولة .. ومجالسهم حديث عن هذا العمل .. بدءوا يرسلون كتبًا أخرى.
عرف بعض العلماء والدعاة طريقتهم فتأثروا .. وقالوا: الحمد لله بدأتم تطرقون أبوابهم .. هم يبحثون عن الشر وأنتم يا أهل الخير وصلتم إليهم ..
رأى بعض العلماء رسائل التوبة والعودة .. وسقطت دمعة من عين عالم الأمة عندما قرئت عليه رسالة أحدهم وهو يعلن رجوعه وهدايته.
هل من مشمر؟ !
1 / 11
التشميرة الثالثة
تأمل كثيرًا .. وحمد الله .. نعم كثيرة لا تحصى ولا تعد .. زوجة وأبناء كالورود .. كل يوم يرى ابتسامة مشرقة منهم .. ولكنه استدرك .. هذا المنزل العامر بالمحبة والمودة لم يقم فيه منذ سنوات درس علمي أو ديني.
قرر وهو ينادي زوجته وأبناءه: كل نهاية أسبوع بعد مغرب يوم الأربعاء هناك درس وسوف نقيمه أنا وأنتم في المجلس الرئيس. حتى يأخذ طابع الجد.
كان له ذلك وقرأ عليهم في جو من الإنصات والاستماع سيرة الرسول ﷺ .. وكان ذلك الدرس انطلاقة لتتواصل الدروس في منزل الود والحب ..
منزل يحفه الإسلام والإيمان .. فرحت الزوجة .. أما الأبناء فإنهم يتشوقون إلى ذلك الموعد ..
رفع صوته وقال: اللهم صل على محمد وأردفت .. صدق الله العظيم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ردد ذلك وهو يسمع عبر المذياع قول أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ: «خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين والله ما قال لي: أفٍ قط، ولا قال لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟».
قرر أن يقتفي ذلك الأثر ويسير على ذلك النهج .. وقال في نفسه: أحاول أن أكون مع خادمي هينًا لينًا .. آمرًا له بالمعروف وناهيًا له عن المنكر ..
1 / 12
وعاد يردد بتعجب .. عشر سنوات! ! اللهمَّ صلِّ على محمد.
يتفقد أيتام حيهم، ويسأل أمهاتهم عن غيابهم عن المسجد، وماذا يريدون؟ ويذهب للمدرسة ليسأل عن مستوى الأيتام ويؤانسهم .. ويذهب بهم مع أطفال الحي إلى رحلات قصيرة ومعهم إمام المسجد أو مدرس حلقة تحفيظ القرآن .. ولا ينسى أن يمسح دمعة اليتيم، ويمر يده على رأسه .. فله بكل شعرة .. حسنة قال ﷺ: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى» وقال أيضًا لمن شكى له قسوة في قلبه: «إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم».
قال له وهو يهز رأسه: أخذت الأمر كتذوق .. متى ما طاب لك الوقت ذهبت؟ ! منذ سنة كاملة لم تحضر سوى محاضرتين فقط .. أنت تأتي للتذوق والمتعة .. لا للفائدة.
لماذا محاضرتين فقط؟ هذه الدروس والمحاضرات زاد روحي تعين على السير، وتثبت على الطريق. عليك بلزوم دروس العلماء وخذ نفسك بالهمة والعزم.
سافرت معه أسبوعًا كاملًا .. ما سمعته اغتاب أحدًا ولا عاب مسلمًا .. تعجبي سبق سفري معه .. ولكنه أكد لي في السفر أن هناك من يحفظ لسانه ويأخذ حذره .. فلا غيبة ولا نميمة ..
نعم الصاحب في السفر والرفيق في الحضر.
1 / 13
كل شهر يشتري مجموعة من الأشرطة المخفضة، ويسعى لشراء كتب مناسبة ثم يقوم بتوزيعها على الجيران.
سن سنة حسنة! ! له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
قرر أن يأخذ من وقته لقراءة أمهات الكتب وقتًا قصيرًا .. شهور فإذا بالوقت القصير أصبح طويلًا .. وإذا بأسماء علماء السلف ومؤلفاتهم على لسانه ..
البعض لا يوجد في منزله كتاب واحد من كتب أئمة المسلمين وعلمائهم!
يتفقد أحوال الجيران وشبابهم مع الإمام والمؤذن .. أصبح لديه معلومات كاملة عن أهل الحي.
هذا ينصحه .. وهذا يوجهه .. وهذا يعينه .. وهذا يذهب لمدرسته .. وتلك بحث لها عن زوج .. وأما الأرامل والأيتام فكل شهر يصرف لهم بعض المال وكثيرًا من المواد الغذائية ويدفع الإيجار مباشرة إلى المالك.
غالب الانحرافات التي تصيب الشباب من رفقاء السوء .. ولقد بحثت حالات كثيرة ووجدت أن السبب الأساسي في طريق المهالك .. هم رفقاء السوء.
سكت المحاضر ثم أتم .. ولقد انتقيت لنفسي ولأبنائي رفقة صالحة، تعبت من البحث عنهم حتى وجدتهم .. هم أهل الطاعة والصلاح! !
1 / 14
فانظر من حولك .. فكل قرين بالمقارن يقتدي! !
طال تعجب الكثير من همته وصبره حتى حفظ القرآن .. قال لهم: أنتم أكثر حفظًا وأسرع قراءة وأكثر أوقات فراغ .. ولكن ينقصكم الهمة والعزيمة.
ولقد قررت وأنا في المرحلة الثانوية أن أتم حفظ القرآن مع تخرجي وكان لي ذلك ولله الحمد ..
إنها سبع سنوات حفظت في كل سنة أربعة أجزاء فقط أي في كل ثلاثة أشهر جزءًا واحدًا.
هل هذا صعب المنال؟ !
للتحدث بنعمة الله وحثًا لهم على الحضور إلى الصلاة مبكرين قال لهم المؤذن .. كل ثلاثة أيام أختم القرآن!
وشباب الحي أمامه .. سألته العيون في استغراب كيف؟ ! قال: غالبًا بين الأذان والإقامة عشرون دقيقة أختم فيها جزءًا أو يزيد أو يقل، ولكن في ثلاثة أيام أكون ختمت القرآن!
سألهم: أرأيتم كم فاتكم من الأجر وأنتم لا تأتون إلا مع الإقامة أو بعدها؟ !
تسائل الجميع في اجتماع عائلي أين شبابنا بل أطفالنا؟ لا نراهم .. بل نتركهم لمن؟ ! لرفقاء السوء وأصدقاء الشر!
قال أحدهم .. نجتمع كل أسبوع مرة واحدة في رحلة برية .. فيها رفقة صالحة، وهناك تسلية، ونختم الرحلة بدرس تربوي علمي .. هذا حفظ لهم .. فهم رجال أسرتنا غدًا ..
1 / 15
وموسم الحج قد طرق الأبواب. قال أحدهم .. مع من ستحج يا عبد الله؟
أجاب: سأذهب للصومال فلدي مسئولية عن مشروع الأضاحي هذا العام.
وحين طرح السؤال على الآخر:
قال: سأذهب إلى الحج هذه السنة مع إحدى المبرات الخيرية لتوزيع الطعام والماء على الحجاج؟ !
إنه نموذج مشرف لشباب الأمة! !
قال له الشيخ وهو يستعرض الوظائف الدنيوية: عليك بالتعليم .. فمتى تجد أربعين طالبًا يستمعون إليك لمدة خمس وأربعين دقيقة كل درس .. تغرس فيهم من القيم .. والعلم ومحبة الله وطاعته ما شاء الله لك ..
هذه فرصة عظيمة .. متى تجد مثل هذا العدد تربيهم وتنشئهم التنشئة الصالحة.
التعليم هو الطريق إلى شموخ الأمة وعلوها! !
نذر نفسه لمساعدة الغرباء والضعفاء ممن يصلون معه في المسجد .. فهذا لديه زيارة لقريبه وذاك لديه مشكلة مع كفيله .. وآخر يبحث عن سيارة صغيرة .. وثالث يذهب معه ليساعده في قبول ابنه في المدرسة القريبة ..
قال لزوجته .. هؤلاء مسلمون يشهدون معنا الصلاة .. نواسي غربتهم ونوانس وحدتهم .. ولذلك دعوتهم هذه الليلة للعشاء
1 / 16
عندنا .. هم وزوجاتهم! !
التقى بحارس العمارة الكبيرة .. وطلب منه أن يضع دولابًا صغيرًا في مدخل العمارة لوضع الكتب والأشرطة .. وافق وتم الأمر ..
فإذا بنور يضيء الداخل والخارج!
عندما علم شباب المسجد بعودة أحد المصلين إلى بلده .. تهامسوا .. لا بد أن نقدم له هدية ..
وتم التشاور وكلفوا أحدهم بمهمة جمع مجموعة مختارة من كتب أئمة السلف وبعض الكتيبات وجعلها في حقيبة كبيرة ليتسنى للمسافر حملها ..
قالوا له .. هذه أغلى من الذهب .. فيها كتب العقائد والتفسير والفقه .. وعلم يكفي لقريتك؟ !
في جمع حافل دخل معه أحد الشباب وعلى محياه البشر والسرور .. وقال ..
سلموا على أخيكم «....» ثم أردف هو فرنسي أسلم اليوم وصلى أول صلاة له في الإسلام مغرب هذا اليوم .. سلم الجميع ودعوا له بالثبات والتوفيق .. حين سأله أحدهم عن إسلامه .. قال له الداعية الشاب .. جلست معه جلسات متتالية لمدة ثلاثة أشهر حتى هداه الله ..
وهناك الكثير في الطريق إن شاء الله.
نذر نفسه لمصالح المسلمين .. ها هو يقصد لجاهه وهمته
1 / 17
و«فزعته» أضحى من لديه مشكلة عائلية يسر إليه بالأمر ويسأله الحل .. فهو رجل عاقل يقدم الشرع على الهوى والعاطفة .. ولا يتأخر إذا كان الأمر يتطلب ذهابه مرات ومرات في سبيل حل مشكلة زوجة مع زوجها أو مطلقة مع والد ابنها! !
أين أنت يا مشمر؟ !
1 / 18
التشميرة الرابعة
أطلق تنهدًا طويلًا وهو يتألم حسرة ويقول ..
ليت أموري المادية تتحسن وظروفي تتيسر، فإني أتمنى أمنية تحرق قلبي وتقض مضجعي ..
نفسي تتوق وتتشوق إلى زيارة المسلمين في روسيا ..
بلاد الإمام البخاري والإمام مسلم -رحمهما الله- .. بلاد بخارى وسمرقند وطاشقند ..
قال له من يستمع الحديث: كفيت العناء ومشقة الطريق .. ها هم عندك! !
قال: أين؟ !
أجاب وهو يوضح الأمر: ها هم يقصدونك من على بعد آلاف الأميال ..
أعينهم متلهفة وقلوبهم متشوقة .. وآذانهم مستمعة ..
ها هم في موسم الحج كل عام يأتون.
ولكن ماذا قدمت لهم؟ ! يا صاحب الأمنية! !
لا يكن حظك من الدنيا الأماني والقول! !
1 / 19
التشميرة الخامسة
ما إن أقبلت الأجازة حتى كان أمرهم إلى اتفاق وموافقة .. قرروا القيام بجولة لمدة شهر ..
راحة من عناء العمل ومعرفة للبلاد .. وحمل للهم الأكبر .. ألا وهو الدعوة إلى الله ..
لم يكن الجميع في مستوى واحد من العلم، ولكن أقلهم علمًا من قال: أنا أعلم الناس شروط وواجبات وأركان الصلاة .. بل وأردد عليهم قراءة السور القصار ليحفظوها ..
سارت القافلة .. يحوطها الإيمان والطمأنينة .. وكان اتجاه سيرهم نحو القرى والهجر والأرياف .. يزورون بعض المدن في الطريق، ويسلمون على العلماء والمشايخ في تلك المدن وكل همهم الاستفادة من الوقت، ونفع المسلمين وتبليغ الدعوة.
صعدوا الجبال، وساروا في السهول .. وقطعوا الأودية .. وكانت رحلة جمع الله لهم فيها التزود بالعلم النافع من شيخهم وراحة للنفس من عناء العمل .. وإبراءً للذمة بزكاة علمهم.
إذا نزلوا موطنًا تفرقوا في المساجد بين محاضرة ودرس وخطبة جمعة وجلوس للإفتاء.
رأوا الجهل وسمعوا البدعة .. ويزيدهم ذلك حرصًا على تكرار الزيارة كل أجازة .. إنها قافلة الخير ورحلة الدعوة .. لا يعذر بها من يعلم من العلم ولو آية ..
1 / 20
قال ﷺ: «بلغوا عني ولو آية» ..
أين أهل التشمير من أمة محمد ﷺ؟ !
هل من مشمر؟ !
1 / 21
التشميرة السادسة
ألزم نفسه بحسن التعامل وطيب المعشر، فكان داعية -بخياله الصامت- وذلك بحسن تصرفه ونزاهة سلوكه .. فاهتدى على يديه الكثير ..
والكثير صححت أخطاؤهم، واستقام أمرهم، وحسن منهجهم من خلال محادثته ومجالسته .. وسماع آرائه واستشهاداته ..
إنه الداعية المتلطف معهم المشفق عليهم يبحث عن مدخل للقلوب الحائرة وطريق للحديث والمفاهمة ..
يتحمل الهفوة ويبرر تلك الجفوة.
ثم هو في النهاية .. برحابة صدر وحسن أدب يصل إلى مبتغاه ليفوز بأجر هداية خير له من حمر النعم ..
ما انتصر لنفسه قط ولا غضب من جهل جاهل .. بل جعل ذلك الاندفاع من بعض الشباب مدخلًا عليهم -يطأطئون الرءوس لسماع قول الله وقول رسوله ﷺ: إنه حديث من القلب إلى القلب.
بعد سنوات حادثه من اهتدى على يديه وقال: لن أنسى حلمك علي وتحملك زلتي في أول لقاء ..
ولقد راجعت نفسي مساء ذلك اليوم فاستحييت من حماسي واندفاعي.
قال له الداعية الناصح المشفق .. تعال لنرى موقفًا تربويًا وقفه الرسول ﷺ مع ذلك الأعرابي حين تصرف بتلقائية في مكان لا
1 / 22