L'Hindouisme: une très courte introduction
الهندوسية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كي نفهم جيدا الاختلافات بين رؤية المتعبدين والباحثين، سنتخذ التاريخ الهندي المبكر كمثال. سوف يفيدنا هذا أيضا في تقديم بعض الأفكار المرتبطة بالتطور التاريخي للهندوسية (انظر أيضا الخط الزمني للهندوسية في نهاية الكتاب).
كيف يفهم الهندوس أصولهم والتشكل المبكر لدينهم؟ يصف الكثيرون الهندوسية بأنها «ساناتانا دارما»؛ أي التقليد أو الدين الخالد. وهذا يشير إلى الفكرة القائلة إن أصول الهندوسية تتجاوز بداية التاريخ البشري، وحقائقها قد أوحيت من قبل الآلهة (شروتي) ثم انتقلت عبر العصور إلى وقتنا الحالي في أقدم النصوص المقدسة في العالم وهو «فيدا». يتبنى كثيرون الرؤية الدينية هذه، لكن عندما يتعلق الأمر بتفسير التاريخ البشري في الهند القديمة، نجد العديد من الآراء المختلفة. ومن الآراء الشائعة اليوم بين بعض الهندوس، وخصوصا هؤلاء الذين عادة ما يشار إليهم على أنهم قوميون هندوس وهم الذين يرون أن الهندوسية هي الدين الحق للهند؛ أن الحقيقة الإلهية قد نزلت على الآريين الذين يعتبرونهم الجنس النبيل المستنير الذي عاش في الهند منذ آلاف السنين. تحدث الآريون بلغة سامية هي السنسكريتية التي كتبت بها نصوص فيدا المقدسة، وأقاموا حضارة هندوسية عظيمة لا تزال طقوسها وأدبها وقانونها تشكل معا ثقافة الهندوس المشتركة اليوم وتراثا قوميا حقيقيا للهند. وطبقا لهذا الرأي، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى الأديان التي تطورت في الهند بعد حقبة الآريين - مثل البوذيين والجاينيين والسيخ - يعتبرون جميعا جزءا من الديانة الهندوسية، غير أن العديد من الهندوس - بل والبوذيين والجاينيين والسيخ أنفسهم - لا يتفقون مع هذا الرأي؛ فهم يعارضون فكرة أن أصول الهندوسية كانت آرية جملة وتفصيلا، بل يؤمنون أن بعض الآلهة الكبرى والتطورات الدينية المهمة التي نربطها اليوم بالهندوسية مصدره الشعوب الأصلية التي عاشت في الهند قبل الآريين. ووفقا لهؤلاء، كان الآريون هم الوافدين؛ إذ هاجروا إلى شمال غرب الهند، وغزوا المجتمعات المسالمة المستقرة وفرضوا أيديولوجياتهم في الوقت نفسه الذي استوعبوا فيه ما كان قيما وشائعا من الثقافة المحيطة. وقد وافق على هذا الرأي على نطاق واسع أيضا الباحثون الغربيون الذين أرجعوا هجرة الآريين إلى نحو عام 1500 قبل الميلاد، و«ريج فيدا» - أقدم النصوص المقدسة المعروفة لدى الآريين - إلى نحو عام 1200 قبل الميلاد.
بالإضافة إلى من يؤمنون بأي من هذين الرأيين العامين، هناك الكثير من الهندوس الآخرين الذين يستمدون رؤيتهم للتاريخ الهندي القديم من التعاليم الخاصة بالجماعة أو الطائفة الهندوسية التي ينتمون إليها. باختصار، لا يوجد منظور تعبدي واحد؛ وبالمثل أيضا، للباحثين رؤى مختلفة. لا يقدم الدليل المادي - سواء من البقايا الأثرية أم النصوص المبكرة - صورة واضحة، ويظل العديد من الأسئلة بلا جواب للمتعبدين والباحثين على حد سواء.
في مطلع القرن الحالي على سبيل المثال، كشف علماء آثار بريطانيون وهنود عن بقايا العديد من المدن القديمة فيما كان يعرف وقتها بشمال الهند (باكستان حاليا) التي يرجع تاريخها إلى ما بين عامي 2500 و1800 قبل الميلاد؛ أي قبل الفترة التي اعتقد أن المهاجرين الآريين دخلوا فيها شمال غرب الهند. ويشار إلى المجتمع والثقافة المنسوبين لتلك المدن الآن باسم حضارة وادي السند (في دلالة على موقعها) أو حضارة هارابا (وهارابا هي إحدى المدينتين الكبريين، أما الأخرى فعرفت باسم موهينجو-دارو). تضمن الدين الخاص بهاتين المدينتين طقوسا تعبدية، وطقوسا خاصة بالخصوبة، واستخدام الحيوانات، ربما لتقديم القرابين، وطقس الاغتسال في مسبح كبير مشيد من الحجارة. أما القراميد أو الأختام ، فكانت تصور نصا مقدسا لم يحدد بعد ورموزا دينية من أنواع شتى.
هل كان الكائن ذو القرون المتخذ وضع الجلوس والمحاط بالحيوانات الذي عثر عليه على أحد الأختام صورة قديمة للإله شيفا؟ هل الأشكال الأنثوية الكثيرة التي عثر عليها في المدن والقرى المجاورة مجرد رموز للخصوبة، أم هي دليل على أحد أشكال عبادة الإلهات التي استمرت بلا انقطاع على مر القرون، ولا تزال موجودة اليوم؟ هل نص سكان وادي السند مكتوب بلغة قديمة من عائلة اللغة السنسكريتية؛ ومن ثم تعتبر من اللغات الهندية الأوروبية، أم إن اللغة المستخدمة لغة درافيدية، تحدث بها وكتبها السكان الأصليون؟ وهل طغت الثقافة والمجتمع الريفيان للمهاجرين الآريين على الحضارة المدنية لوادي السند، أم إن كل أو بعض سكان مدينتي هارابا وموهينجو-دارو كانوا هم أنفسهم من الآريين؟
يبحث دارسو الحضارة الهندية سواء من الهند أم الغرب على نحو حثيث هذه المسائل وغيرها على أمل إلقاء المزيد من الضوء على التاريخ القديم للهند. وتستخدم مجموعة أخرى من الباحثين الهنود قدرا هائلا من البيانات والحسابات من أجل تأريخ الأحداث المذكورة في النصوص القديمة. لكن الكيفية التي يفسر بها المهتمون - سواء من الباحثين أم المتعبدين - ما يحصلون عليه من أفكار ومعلومات جديدة ليست بالأمر البسيط؛ فعادة ما تكون لهم نظرياتهم الخاصة التي يوائمون تلك البيانات الجديدة معها، وكثيرا ما يزعم الباحثون أن الدليل المتاح هو وحده الذي يوجههم في الوصول إلى استنتاجاتهم، لكننا لا نحتاج سوى النظر إلى الأعمال البحثية الأولى التي قام بها الغربيون في الهند حتى نرى كيف أثرت الاهتمامات الأيديولوجية في ذلك الوقت في عملهم.
معظم الباحثين في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر (الذين نشير إليهم عادة باسم «المستشرقين») الذين أخذوا على عاتقهم ترجمة النصوص السنسكريتية وإحياء الماضي الآري كانوا أيضا مسئولين سياسيين بريطانيين، وعلى هذا النحو، فقد احتاجوا إلى الوصول لفهم جيد للتقاليد والثقافة الهندوسية كي يساعدوا في تأسيس الحكم الاستعماري البريطاني في الهند. وقد توصل بعضهم - بإيعاز مما تعلموه عن أوجه التشابه بين اللغة السنسكريتية واللغات الأوروبية وما تعلموه عن الشعب الآري الوارد وصفه في النصوص السنسكريتية - إلى استنتاجات حول الأصول المشتركة للمجتمعات والثقافات الأوروبية الهندية. وقد راق الرأي الرومانسي الذي توصلوا إليه للبعض في أوروبا والهند؛ لأنه افترض وجود انحدار مشترك من أصول (آرية) نبيلة، ولأن هذا الرأي - القائل برقي الجنس الآري وعظم الحضارة الآرية - له جذوره في الدراسات الغربية المبكرة، فإنه قد أصبح الرأي الشائع لاحقا بين القوميين الهندوس. وقد كان قادة حركة الإصلاح الهندوسية التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر تحت اسم «آريا ساماج» - وتعني في السنسكريتية «المجتمع النبيل» - من بين أوائل من تطلعوا إلى ذلك العصر الذهبي، وزعموا وجود تاريخ متصل موحد لمجموعة منتقاة من المعتقدات والقيم والممارسات الهندوسية الخاصة بتلك الفترة. وما كانت في الأساس رؤى بحثية استعمارية أصبحت الآن معتنقة لدى هذه المجموعة وغيرها ممن تتفق آراؤهم السياسية والدينية معها.
وهناك رغبة كبيرة بين العديد من الهنود وأولئك الذين يعكفون على دراسة الهند في فهم ماضي الهند وإيجاد أجوبة لتلك الأسئلة الإشكالية. ولا يقتصر الأمر على الكشف عن المزيد من المعلومات التاريخية من أجل استكمال الفراغات في الصورة غير المكتملة، هذا غالبا حال الاكتشافات الجديدة؛ تجيب على بعض الأسئلة وتطرح أسئلة أخرى، ونادرا ما تظهر الصورة الكاملة، ودائما ما تكون هناك مساحة لظهور المزيد من التخمينات والفرضيات، علاوة على ذلك، فإن فهم المتعبدين للتاريخ المبكر يتبع قواعدهم الخاصة، بدلا من اتباع الأدلة والحجج الخاصة بالباحثين؛ إذ يسترشد المتعبدون في المقام الأول بالوحي. وعندما يدعم الدليل التاريخي أحد آراء المتعبدين، فإنه يكون محل ترحيب؛ لكن القناعة الدينية الراسخة لا تتطلب دليلا كهذا كي تقوى وتزداد رسوخا، بل إنها تعتمد على الإيمان. وعلى ذلك ينظر بعض الهندوس إلى كل هذا الجدل حول ما حدث في الهند قديما على أنه ذو صلة فحسب عندما يتفق مع ما تخبرهم به النصوص المقدسة، لكن كما أشرنا سابقا، فإن هناك كثيرين من الهندوس المعاصرين لديهم قناعة راسخة بأن النظريات البحثية والبيانات التاريخية تقدم دعما مهما لما يؤمنون به.
إن ما حدث في تاريخ الهند المبكر ليس سوى واحد من عدة مسائل خلافية تؤكد على تلك الاختلافات في الآراء. وسوف أتطرق بإيجاز هنا إلى مسألتين أخريين، هما تاريخ وأهمية النصوص الهندوسية المقدسة، والممارسات الهندوسية. (3) فهم النصوص الهندوسية المقدسة
كما أشرنا من قبل، يرى الهندوس المتدينون أن «فيدا» كتاب منزل؛ ومن ثم فليس لنشأته وقت محدد في التاريخ، بل هو أبدي وإلهي المصدر. واتفق الفلاسفة الهندوس، من أمثال شانكارا ورامانوجا، الذين سنتناول أفكارهم في الفصل الثالث، مع هذا الاعتقاد واعتبروه أساسا لأفكارهم حول العلاقة بين ما هو إلهي وما هو إنساني. لكن الباحثين الغربيين الدارسين للنصوص كانت دوافعهم مختلفة تماما؛ فمن درسوا «بهاجافاد جيتا» - أشهر النصوص المقدسة الهندوسية - كانوا مدفوعين بمبدأ الصرامة العلمية في سعيهم لتأريخ النص، وترجمته بدقة، والسماح له - من وجهة نظرهم - بالتعبير عن نفسه بدلا من أن يعكس اهتمامات المفسرين اللاحقين له. وعمد بعض هؤلاء الباحثين إلى الاعتراض على دقة الترجمات والتفاسير التعبدية. بيد أن النقاد الهندوس تشككوا مؤخرا في منهج هؤلاء الباحثين وفشله في إعطاء أهمية لدور الوحي في المعتقد الهندوسي أو تقليد التعليقات التعبدية. ورأى بعض هؤلاء النقاد أن المنهج البحثي الغربي القائم على التفكير النقدي نفسه يحرف معنى النص المقدس. ويقولون إن النصوص المنزلة لا يستوعبها استيعابا كاملا سوى من يتقبلون مكانهم داخل تقليد حي وديناميكي؛ حيث تسمع وتكرر وتتذكر الآيات والقصص، وتنقل إلى الأجيال التالية. وفي الفصل التالي، سنناقش بمزيد من التفصيل النصوص الهندوسية المقدسة وأهميتها. (4) الجدل حول الممارسات الهندوسية
Page inconnue