L'Hindouisme: une très courte introduction
الهندوسية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
حتى قبل العصر الحديث، ارتبطت البقرة بأفكار عدة؛ مثل عدم الإيذاء (أهيمسا)، والنقاء والطهر، والطيبة، والأمومة في وهبها ورعايتها، ليس فقط لعجلها وإنما للجميع. وفي الفترة الفيدية، كانت تقدم البقرة أحيانا كقربان، لكن صار أكلها جريمة لاحقا. وفي «مهابهارتا» و«مانوسمريتي»، ارتبطت البقرة بالإلهة شري، إلهة الرخاء، واعتبرت منتجاتها طاهرة وطيبة، وصارت تمجد بوصفها أما وواهبة عظيمة. وأشير إلى الأبقار والنساء - على حد سواء - على أنهما إلهات، وإن كانت للأبقار على ما يبدو مكانة أعلى بسبب طهرها وقيمتها كمصدر للعطاء.
وفي القرن التاسع عشر، اتخذت أهميتها منحى جديدا؛ فأحد الأشياء التي ميزت الهندوس أو الهنود الأصليين عن الوافدين هو تمجيدهم للبقر والتزامهم بالحفاظ عليه من الأذى. وكان مكروها بالنسبة لطوائف الهندوس التضحية بها أو أكلها، على عكس المسلمين والمسيحيين الذين يميلون لفعل ذلك. وفي ظل زيادة الوعي الذاتي الديني بين الجماعات الإصلاحية، صارت حماية البقرة رمزا للهوية الهندوسية. وأصبحت البقرة، شأنها شأن المرأة الهندوسية، تعرف بأنها أم الأمة. وكتب كل من داياناندا ساراسواتي، مؤسس حركة آريا ساماج، وغاندي عن الأهمية القومية لحماية البقر، وتأسست جمعيات محلية بجميع أنحاء الهند لإشراك عامة الهندوس في الحفاظ على هذا الرمز العظيم.
لا شك أن الأهمية التي منحت للبقرة حيرت غير الهندوس الذين لا يعرفون الكثير عن الهندوسية. ونشأت مجادلات بين الباحثين الغربيين بشأن ما إذا كان وضع البقر في الهند يمكن تبريره على أساس اقتصادي أم لا. لكن ما فشلوا في تقديره هو قيمتها الرمزية؛ فقد كانت مهمة من الناحية الدينية والاقتصادية على حد سواء. لكن مكانة البقرة في الهندوسية كانت موضع شك أيضا من الهندوس أنفسهم، وذلك بوصفها رمزا لهيمنة كبار رجال الدين ولما تحمله من إشارات ضمنية إشكالية عن المنبوذين الذين تأكدت مكانتهم المتدنية بتمثيل البقرة للطهر.
ما الذي يمكننا معرفته عن مصير الهندوسية في العصر الحديث من هذا الوصف المفصل؟ إن الذي حاولت إيضاحه هو كيف اكتسبت فكرة البقرة تلك الأهمية عند الهندوس في ظل الاحتلال البريطاني للهند؛ إذ صارت محور المناقشة والمجادلة الدينية والسياسية والعلمية. ولم تبرز فكرة «الهندوسية» إلا في العصر الحديث، لكنها - شأنها شأن رمز البقرة - لها سوابق في النصوص المقدسة والممارسات والمفاهيم والمؤسسات التي ترجع إلى فترات سابقة. وتشير عبارة سانتانا دارما (العرف الأبدي)، التي استخدمها الهندوس عادة لوصف دينهم، إلى القدم، لكن استخدامها حديث.
لقد صمدت التقاليد الاجتماعية والدينية الخاصة بالهندوس آلاف السنين، ولم تكن بالتأكيد نتاج العصر الحديث. لكن التفسيرات المحددة التي أعطاها لها المستشرقون والمصلحون والقوميون والحركة النسائية والداعون إلى المساواة بين المنبوذين والطوائف الهندوسية الأخرى - على سبيل المثال لا الحصر - قد أدت إلى نشأة مصطلح «الهندوسية» والجدل المعاصر حول طبيعتها.
ومن ثم، فإن البقرة بوصفها رمزا للأمة، والهندوسية بوصفها دينا، فكرتان معاصرتان في الهند. لكن فكرة البقرة قلت أهميتها في الهند المستقلة، أما فكرة الهندوسية فلا تزال ناشئة. فقد غيرت، على سبيل المثال، الحركات الهندوسية الحديثة شكل الهندوسية، مع اهتمامها بالإصلاح الاجتماعي والروحانية الهندوسية؛ فمن الأمور الواجبة أخلاقيا من أجل مستقبل الهندوسية، من وجهة نظر الكثير من الهندوس، حاجة الهندوسية إلى تغيير ذاتها لكي تكون أكثر انفتاحا للجماعات المهمشة: تعد مناقشة أرفيند شارما لمسألة الكارما والطوائف الاجتماعية (انظر الفصل الثالث) رد فعل لذلك. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك دعوة القوميين الدينيين لأحد المنبوذين لوضع حجر الأساس لمعبد صمم لعبادة الإله راما في أيوديا، وقبول الزاهدات من النساء في بعض الحركات المعاصرة. وتناقض هذه التوجهات التعاليم التقليدية، لكنها توضح أن التغيير الديني جزء من الهندوسية، شأنه شأن استمرارية التقاليد التي تناولناها في فصول سابقة من هذا الكتاب.
تتطور الأفكار عن طبيعة الهندوسية أيضا في إطار مناقشة القومية الهندوسية؛ فالهند رسميا دولة علمانية يمثل فيها الهندوس (أعني بكلمة «الهندوس» من هم غير مسلمين أو بوذيين أو مسيحيين ... إلخ) الأغلبية. لكن، مثلما رأينا، فكرة أرض الهند المقدسة وشعبها وأمتها فكرة محورية في المناقشات حول الهندوسية. والمزاعم والمزاعم المضادة عن الآريين والدرفيديين الهنود الأوائل، وعن الوحدة والتنوع داخل الهندوسية، وعن تاريخ الأديان المتعددة في الهند، تساهم جميعها في الجدل القائم حول ما إذا كانت الهندوسية بإمكانها، وينبغي لها، أن تصبح دينا قوميا، أم عليها الاستمرار في دعم تعدديتها الدينية والاحتفاء بها.
وأخيرا، ماذا عن فكرة الهندوسية بوصفها دينا عالميا؟ على الرغم من أن معظم الهندوس لا يزالون يعيشون في الهند، فثمة مجتمعات هندوسية في معظم قارات العالم؛ ما يجعل الهندوسية دينا عالميا. وما يدعم ذلك أيضا الممارسة الحديثة نسبيا المعنية بتوصيل رسالة الروحانية الهندوسية إلى غير الهندوس. ولا تزال فكرة ما إذا كانت الحركات الهندوسية الحديثة، التي فعلت ذلك، «هندوسية» حقا مثارا للجدل، لكن هذه الممارسة ساعدت في نشر الأفكار الهندوسية. حتى البقرة وجدت مكانا في الروحانية الهندوسية العالمية. وظلت رمزا لعدم العنف، لكن في ظل سياق جديد من الوعي البيئي، والنظام الغذائي النباتي الواسع الانتشار، والالتزام بتكامل كل الخلق.
تتحدى «الهندوسية» رغبتنا في تعريفها وتصنيفها؛ فهي ظاهرة ديناميكية من ظواهر العالم المعاصر نشأت من التصورات المجتمعة للعديد من الأفراد والجماعات الهندوسية وغير الهندوسية، وهي أيضا مجموع كل أجزائها - تقاليدها وأساطيرها ومؤسساتها وطقوسها وأفكارها - وصورها المتعددة. وهي تتمتع بالقدرة والتنوع اللذين يسمحان لها باستيعاب تصورات الهندوس وغير الهندوس على حد سواء، بالإضافة إلى قدرتها على تحدي كل الأفكار المكونة سابقا عن ماهية الدين.
ملحق
Page inconnue