L'Inde après Gandhi : l'histoire de la plus grande démocratie du monde
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
Genres
14
أما الوضع في الهند فمختلف كل الاختلاف؛ فالفجوات في متن معرفتنا هنا هائلة، وجمهورية الهند اتحاد مكون من ثمان وعشرين ولاية، بعضها أكبر من فرنسا وألمانيا، إلا أنه حتى أكبر تلك الولايات وأهمها لم تنل نصيبا من التأريخ؛ ففي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين كانت الهند رائدة نهج جديد في السياسة الخارجية، وكذلك في السياسة الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي، إلا أنه لم يصدر بعد سرد أمين أو حتى لائق لتلك التجارب، وأنجبت الهند رجال أعمال مغامرين ذوي رؤية وديناميكية هائلتين، ولكن قصص المؤسسات التي بنوها والثروات التي كونوها معظمها لم ترو. كذلك لا توجد سير لائقة لبعض الشخصيات الرئيسية في تاريخنا الحديث؛ مثل: الشيخ عبد الله، أو المعلم تارا سينج، أو إم جي راماتشندران، الزعماء «المحليين» الذين يساوي حجم المقاطعة التي تزعمها كل منهم حجم بلد أوروبي كبير.
وعلى خلاف سرد تاريخ أوروبا بعد الحرب، لا يمكن لسرد تاريخ الهند بعد الحرب أن يقوم ببساطة على أكتاف كتب أخرى معنية بموضوعات أكثر تخصصا؛ ففي المسائل الكبرى والصغرى عليه أن يملأ الفراغات باستخدام مواد يجمعها المؤلف بنفسه؛ فقد أخبرني أول معلم لي - موظف عجوز بالخدمة المدنية بالغ الحكمة يدعى سي إس فينكاتاتشر - أن كل عمل تأريخي «مؤقت»؛ أي، ينبغي للكتب التالية عليه أن تضيف إليه، وتعدله، وتشكك فيه، وتطيح به. وعلى الرغم من الموضوعات المتعددة التي يغطيها هذا الكتاب، فليس له أن يأمل في أن يكون قد تناول أيا منها بصورة وافية؛ فكل قارئ على حدة سيكون له شكواه الخاصة؛ فالبعض قد يشكو - مثلا - من أني لم أتعرض للقبائل بالقدر الكافي، والبعض الآخر قد يرى أنه كان يتعين علي أن أفرد لكشمير صفحات أكثر مما أفردته بالفعل.
وأفضل تعبير عن آمالي بالنسبة إلى هذا الكتاب جاء في كلمات مارك بلوك، عندما كتب عن بلد آخر في زمن آخر:
يمكنني أن أشبه نفسي بمستكشف يجري مسحا سريعا للأفق قبل أن يخوض أدغالا يتعذر تحقيق رؤية أشمل من داخلها. وبطبيعة الحال، ثمة فجوات هائلة في متن روايتي، وقد بذلت قصارى جهدي في عدم مواراة أي أوجه قصور، سواء في حالة معرفتنا بصفة عامة، أو فيما أجريته أنا نفسي من توثيق ... وعندما يحين وقت تفوق دراسات أكثر تعمقا على مؤلفي، سأشعر أني جنيت ثمار عملي إذا أسفرت المواجهة مع تخميناتي الخاطئة عن تعريف التاريخ بحقيقته.
15
6
كان يروق للمؤرخ العظيم من جامعة كامبريدج إف دبليو ميتلاند أن يذكر طلابه بأن «ما بات الآن ماضيا كان يوما مستقبلا». ليس ثمة حكمة أصوب من هذه بالنسبة إلى المؤرخين - لا سيما مؤرخي الماضي القريب - الذين يخاطبون جمهورا كون آراء جازمة بخصوص الموضوعات التي يفترض أنه يثقفهم بشأنها؛ فالمؤرخ الأمريكي لحرب فيتنام يكون قراؤه قد حددوا موقفهم تقريبا إزاء عدالة الحرب من عدمها، ويعلم المؤرخ الفرنسي لحركة الطلاب عام 1968 أن قراءه سيكون لديهم آراء قوية بشأن تلك الانتفاضة بعينها، وإن كانت آراؤهم قد تتناقض بعضها مع بعض.
ومدونو التاريخ المعاصر يعون أنهم لا يخاطبون قارئا مشاعره سلبية إزاء النص الموضوع أمامه؛ فالقارئ مواطن أيضا - «مواطن ناقد» - له تفضيلاته السياسية والأيديولوجية الخاصة. تلك التفضيلات توجه رؤية القارئ للماضي وتمليها عليه، ولا سيما رؤيته للزعماء والمشرعين، فنحن نعيش مع تبعات القرارات التي اتخذها ساسة العصر الحديث، وكثيرا ما نفترض أن سياسيا آخر - شخصا نؤيده - كان من الممكن أن يتخذ قرارات أفضل أو أكثر حكمة.
وكلما عدنا بالزمن إلى الوراء، تضاءلت تلك المشكلة؛ فمؤرخو القرن الثامن عشر يسعون إلى تفسير ذلك الزمن وفهمه، وكذلك يفعل القراء سيرا على خطاهم؛ فمدون سيرة جفرسون أو نابليون يمكن أن يحظى بقراء أكثر «ثقة» فيه؛ إذ لا يفترضون معرفتهم بما فعله هذان الرجلان، ولا يتمنون أن يكونوا قد فعلوا شيئا مختلفا. في تلك الحالة، عادة ما يرضى القارئ بأن يتبع الخبير ويسترشد به، إلا أن مدون سيرة كينيدي أو ديجول لا يحالفه مثل ذلك الحظ؛ إذ بعض القراء المحتملين - وربما الكثير منهم - يعلمون بالفعل «حقيقة» هذين الرجلين، وهم أقل استعدادا لسماع صيغ مختلفة من تلك الحقيقة، حتى إن عضدتها مئات المراجع في الهوامش السفلية.
Page inconnue