مترجمهم وافر الدراهم والدنانير، مع أني لا أقصد بذلك سوى إحياء أخبارهم، ونشر مطوي أوصافهم وجميل آثارهم، لأنهم وإن كانوا في زمانهم أشهر من نار على علم، إلا أنهم إذا لم تقيد أسماؤهم في دفاتر المآثر نثرتها الأيام في مطوي العدم:
إذا ما روى الإنسان أخبار من مضى ... فتحسبه قد عاش من أول الدهر
وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر
فقد عاش كل الدهر من عاش عالمًا ... كريمًا حليمًا فاغتنم أطول العمر
فاقتصرت على ذكر من وصلت إليه، وطويت غالبًا ذكر من لم أكن أعلم ما له وعليه، وحسب الطالب أن يقتصر على من وصلت إليه قوته وحوله، وأن يعلم أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولم أزل أقدم في هذا العزم رجلًا وأؤخر أخرى، وأتردد في الإقدام والإحجام ولا أدري أيهما أحرى، إلى أن تذكرت ما قيل، من أن بديع الأقاويل، إن المرء ابن وقته وساعته، وكل ينفق على قدر وسعه واستطاعته، ومن كانت بضاعته مزجاة، فهو من الملام بمنجاة، وذيل العفو عليه مسبول، والكف عن زلله مرجو ومأمول، وقد قيل:
ألا ليقل من شاء ما شاء إنما ... يلام الفتى فيما استطاع من الأمر
فحققت ما كنت أردت، وأظهرت من الفكر ما أضمرت، وشرعت في كتابة هذا الكتاب، معتمدًا في التسهيل على رب الأرباب، ووسمته وسميته، بعد ما أتممته وأنهيته: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر والأمل ممن نظر فيه، ورأى ركاكة نثره وقوافيه، أن يرحم بحسن التأويل جامعه، وأن يصون عن استماع كلامه مسامعه، والأولى أن يلتمس له عذرًا، ويسبل على ما بدا له منه سترًا، خصوصًا والفكرة غير مساعدة، وهي لمكايدة الدهر مكابدة، ومع إبداء ما ذكرت، وإظهار ما به
1 / 5