Hikmat Gharb
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Genres
والآن نصل إلى سقراط الأثيني، إنه ربما كان الفيلسوف الوحيد الذي يعرف الجميع اسمه على الأقل. على أننا لا نعرف عن حياته الكثير، فقد ولد حوالي عام 470ق.م. وكان مواطنا لأثينا، وكان فقيرا، ولم يبذل جهدا كبيرا لتجاوز فقره، بل إن أحب طرق قضاء أوقات الفراغ إلى نفسه كانت المناقشة مع أصدقائه وغيرهم، وتعليم الفلسفة للشباب الأثيني، ولكنه على خلاف السفسطائيين، لم يكن يتقاضى أجرا عن ذلك، ونظرا إلى أن الكاتب المسرحي الهزلي أريستوفان يسخر منه في مسرحية السحب؛ فلا بد أنه كان شخصية معروفة في أرجاء المدينة. وفي عام 399ق.م. أدين بسبب ممارسته نشاطات معادية لأثينا
2
وأعدم بالسم.
أما بالنسبة إلى ما عدا ذلك من المعلومات عن سقراط، فعلينا أن نعتمد على كتابات اثنين من تلاميذه، هما زينوفون القائد العسكري وأفلاطون الفيلسوف، والأخير هو أهم الاثنين بالطبع؛ ففي كثير من محاورات أفلاطون يعرض علينا سقراط كما كان يعيش ويتكلم.
وحين نقرأ محاورة «المأدبة» نرى سقراط وهو يمر بنوبات من شرود الذهن، فيتوقف فجأة في موضع ما، ويظل شاردا في أفكاره لمدة ساعات في بعض الأحيان، ولكنه كان في الوقت ذاته قوي البنية؛ فقد عرف عنه منذ فترة وجوده في الجيش أنه أقدر على تحمل الحر والبرد، والاستغناء عن الطعام والشراب من أي شخص آخر، كما عرفت عنه شجاعته في القتال؛ فقد تحمل ذات مرة مخاطرة كبرى من أجل إنقاذ حياة صديقه ألكبيادس
Alcibiades
الذي تهاوى على أرض المعركة جريحا، وهكذا كان سقراط رجلا غير هياب في الحرب والسلم على السواء، وظل على هذا النحو حتى ساعة موته، ولقد كان سقراط قبيح المنظر، ولم يكن يبدي عناية بملبسه، وكان رداؤه باليا مهلهلا، كما كان عاري القدمين على الدوام. ولقد كان معتدلا في كل ما يفعل، وكانت لديه سيطرة عجيبة على جسده؛ فعلى الرغم من أنه لم يكن يشرب النبيذ إلا نادرا، كان يستطيع إذا اقتضى الأمر أن يشرب أكثر من جميع رفاقه على المائدة دون أن يصيبه أي دوار.
ولقد استبق سقراط المدرستين الرواقية
Stoic
والكلبية
Page inconnue