149

Hikmat Gharb

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Genres

كان المستوى الثقافي لرجال الإصلاح ذاتهم أقل من علماء الحركة الإنسانية الذين مهدوا لهم الطريق. غير أنهم كانوا يملكون تلك الحماسة الثورية التي يجد المفكرون الناقدون في كثير من الأحيان صعوبة في إبدائها. ولقد كان مارتن لوثر (1483-1546م) راهبا أوغسطينيا ومعلما للاهوت وأثارت فيه تلك الممارسة الهابطة، أعني بيع صكوك الغفران، استياء أخلاقيا عارما، كما حدث للكثيرين غيره. وفي عام 1517م خرج نشاطه إلى العلن، ونادي بالقضايا الخمس والتسعين المشهورة، التي سجلها في وثيقة علقها على باب كنيسة قلعة فتنبرج

Wittenberg . ولم يكن في ذهنه، حين تحدى السلطة الكنسية العليا في هذه النقطة، أن يقيم مذهبا دينيا جديدا. غير أن هذه المسألة الشائكة كانت تثير مشكلة سياسية كاملة، هي الحصص المالية الضخمة التي كانت تدفع لدولة أجنبية. وعندما حرق لوثر علنا المرسوم البابوي بطرده من الكنيسة في عام 1520م، لم تعد المسألة تقتصر على الإصلاح الديني؛ إذ بدأ الأمراء والحكام الألمان يتخذون موقفا، وأصبحت حركة الإصلاح ثورة سياسية للألمان ضد سلطة البابا الأشد خفاء.

وبعد مجلس فرمز

Worms

7

في عام 1521م، ظل لوثر مختفيا لمدة عشرة أشهر، وأعاد كتابة العهد الجديد باللغة الشعبية. ويمكن القول إن هذا العمل، من حيث هو وثيقة أدبية، كان له بالنسبة إلى الألمان نفس التأثير الذي كان للكوميديا الإلهية بالنسبة إلى الإيطاليين. وقد ساعد على أية حال على انتشار كلمات الإنجيل على أوسع نطاق بين الناس، وأصبح في استطاعة أي شخص قادر على القراءة أن يدرك الآن وجود تباين شاسع بين تعاليم المسيح والنظام الاجتماعي القائم. وكان هذا العامل بالذات، مضافا إليه النظرة البروتستانتية الجديدة إلى الإنجيل على أنه السلطة الوحيدة، هو إلى حد بعيد الأساس المعنوي الذي قامت عليه ثورة الفلاحين في عام 1524م. غير أن لوثر لم يكن مصلحا ديمقراطيا، وأعلن بصراحة وقوفه ضد أولئك الذين تحدوا أسيادهم السياسيين؛ ذلك لأنه ظل في تفكيره السياسي يتأمل الأمور بمنظور العصور الوسطى. وقد اقترنت الثورة بقدر كبير من العنف والقسوة من جميع الإطارات، وسحقت في النهاية بوحشية. وأدت هذه المحاولة الفاشلة للثورة الاجتماعية إلى إضعاف قوة الدفع الأصلية للعقيدة الإصلاحية إلى حد ما. ولقد جاء لفظ «البروتستانت» ذاته من نداء أصدره مؤيدو الإصلاح الديني واحتجوا فيه (

) على محاولة الإمبراطور أن يعيد العمل في عام 1529م بأحكام «مجلس فرمز»، الذي كان قد أعلن أن المصلح وأتباعه خارجون عن القانون. غير أن هذا الإجراء ظل موقوفا حتى عام 1526م. أما الآن فقد أصبح لوثر مرة أخرى مطاردا في الإمبراطورية، ومن ثم لم يحضر مجلس آوجسبرج

Augsburg

في عام 1530م. غير أن الحركة البروتستانتية كانت قد أصبحت في ذلك الحين أقوى من أن تسحق، وفي عام 1532م اضطر الإمبراطور كارها، بموجب اتفاقية الصلح الديني في نورمبرج، إلى إعطاء ضمانات لأولئك الذين يريدون ممارسة عقيدتهم الجديدة بحرية.

وقد انتشرت الحركة الإصلاحية الجديدة بسرعة في الأراضي الواطئة وفي فرنسا وسويسرا. وكان أقوى الإصلاحيين تأثيرا بعد لوثر هو جان كالفان

Page inconnue