144

Hikmat Gharb

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Genres

Guelf - تابعة لأسرة هابسبورج الإسبانية عام 1535م. وكان لأهل البندقية مركز خاص إلى حد ما؛ وذلك لأسباب منها أنهم لم يعانوا أية هزيمة على أيدي البرابرة، ومنها ارتباطاتهم البيزنطية. وكانوا قد اكتسبوا قوة وثراء عن طريق الحروب الصليبية، وبعد أن هزموا منافسيهم في جنوا، سيطروا على التجارة في كافة أرجاء البحر المتوسط، وعندما استولى الأتراك العثمانيون على القسطنطينية عام 1453م، بدأت البندقية تتدهور، وكان مما عجل بذلك كشف طريق رأس الرجاء الصالح إلى الهند واكتشاف العالم الجديد.

ولقد كانت مدينة فلورنسة هي أهم مدينة حملت لواء حركة النهضة. فلم يسبق لأية مدينة، باستثناء أثينا، أن أنجبت مثل هذه الكوكبة اللامعة من الفنانين والمفكرين؛ إذ كان دانتي وميكل أنجلو وليوناردو دافنشي وغيرهم كثيرون من أهل فلورنسة، وكذلك كان جاليليو فيما بعد. وبعد فترة أدت مشاكل فلورنسة الداخلية، التي كانت سببا في نفي دانتي، إلى استيلاء آل مديتشي

Medici

على الحكم، وظلت أسرة التجار النبلاء هذه تحكم المدينة طوال ما يربو على ثلاثة قرون منذ عام 1400م، باستثناء فترات متقطعة قصيرة.

أما بالنسبة إلى البابوية فكان لعصر النهضة تأثير مزدوج. فمن جهة أبدى البابوات اهتماما مستنيرا بالجهود العلمية لباحثي الحركة الإنسانية وأصبحوا من كبار رعاة الفنون. وعلى الرغم من أن ادعاءات البابوية المتعلقة بالسلطة الزمنية كانت مستمدة من منحة قسطنطين المزيفة، فهان البابا نيكولاس الخامس (1447-1455م) كان شديد الإعجاب بلرونتسو فالا

Lorenzo Valla ، الذي كشف التزوير وكان يعتنق آراء أخرى غير مألوفة. وهكذا عين هذا الأديب المدقق أمينا لمكتب البابا على الرغم من آرائه الخارجة عن إطار الكنيسة. على أن هذا التخفيف من معايير الإيمان أدى إلى ظهور اهتمامات دنيوية أفقدت البابوية قدرا كبيرا من تأثيرها الروحي. وكانت الحياة الشخصية لرجال مثل البابا إسكندر السادس (1492-1503م) بعيدة عن تلك التقوى المتوقعة من ممثل الرب على الأرض. وفضلا عن ذلك فإن الأطماع الدنيوية لبابوات القرن السادس عشر قد استنزفت مبالغ كبيرة جلبت من الخارج. كل هذا أدى إلى سخط واستياء بلغ ذروته في حركة الإصلاح الديني.

وفي الفلسفة، يمكن القول بأن حركة النهضة الإيطالية لم تأت، عموما، بأعمال كبرى، فقد كانت تلك فترة إعادة كشف للمنابع، لا تأمل فلسفي واسع النطاق، وأدت إعادة دراسة أفلاطون، بوجه خاص، إلى تحدي النزعة الأرسطية السائدة في المدارس. وشهدت فلورنسة في عهد كوزيمودي مديتشي افتتاح أكاديمية فلورنسة في أوائل القرن الخامس عشر، وكان هذا المعهد منحازا لأفلاطون على خلاف الجامعات القائمة. ويمكن القول بوجه عام إن جهود الباحثين الإنسانيين قد مهدت الطريق للتطورات الفلسفية الكبرى التي حدثت في القرن السابع عشر.

وعلى الرغم من أن حركة النهضة قد حررت الناس من جمود الكنيسة وتصلب معتقداتها، فإنها لم تنقذهم من مختلف ضروب الخرافة القديمة. فقد اكتسب التنجيم، الذي كانت الكنيسة تحاربه دائما، شعبية واسعة وانتقلت عدواه من الجهلة إلى المتعلمين أيضا، أما السحر فكان الاعتقاد به واسعا بدوره، وأحرق مئات من الأبرياء ذوي الأطوار الغريبة وهم أحياء بتهمة ممارسة السحر. وبطبيعة الحال فإن اصطياد السحرة.

4

ليس أمرا مجهولا حتى في أيامنا هذه، وإن لم يعد الأسلوب المتبع هو حرق الضحية. وقد اقترن ربط التعصب والجمود الفكري الموروث عن العصور الوسطى بضياع هيبة معايير السلوك وقواعده السائدة. وكان هذا، بالإضافة إلى أسباب أخرى، هو الذي حال دون اكتساب إيطاليا شكلا من أشكال التكامل القومي في وجه الأخطار الأجنبية الآتية من الشمال. فقد كان العصر حافلا بالمؤتمرات النادرة والغش المتبادل، ووصل ارتقاء ذلك الفن الرفيع، فن التخلص من المنافسين والأعداء، إلى مستوى لا نظير له من اكتمال الصنعة. وفي مثل هذا الجو من الخداع وانعدام الثقة يستحيل أن يتولد أي شكل قابل للاستمرار من أشكال التعاون السياسي.

Page inconnue