عرفت بها عدوي من صديقي
العزلة والوحدة
حكي أن وزيرا عزل فانخرط في سلك الدراويش، فلما عاش فيهم وامتزجت نفسه بنفوسهم استل خيرهم ما كمن في نفسه من الشرور التي تلصق برجال الدولة، فعادت إليه القناعة بعد أن هجرته، ووصلته الفضيلة بعد أن عقها فعقته، وحدث أن السلطان عاد فرضي عنه واستدعاه إلى منصبه، فأبى الوزير القنوع أن يعود إلى متاعب الوزارة، وفضل الاعتزال على السفر والمال، واختار الوحدة في التقشف على الاجتماع بالناس وما يقتضيه ذلك من التزين والتصرف، وحسنت لديه حياة الزاهدين المتصوفين بقدر ما قبحت في عينه عيشة الوزراء والسلاطين، فلما ألح السلطان في طلبه أجابه الوزير:
اعلم يا مولاي، أنني تركت وراء ظهري حدائق أعنابا، وكواعب أترابا، وخيلا مسومة، وقناطير مقنطرة، وعدة وعديدا، ومراكب وعبيدا، وخرجت خروج الحية من جحره، وبرزت بروز الطائر من وكره، مؤثرا ديني على دنياي، جامعا يمناي إلى يسراي؛ لأنني آثرت الفقر مع الحرية على الغنى في المذلة، ومن كان مثلي فقد عتق رقبته، واستل من قلبه سخائم الضغن والحقد، وأخرج منها سموم الغيظ والحسد، ودان بدين التساهل والتسامح، وبذا نجوت من لوم اللائمين ، وقطعت ألسنة القادحين.
فأجابه الملك: لا ريب في أن الدولة محتاجة إلى حكيم مثلك، طاهر النفس، قويم الخلق، حسن السلوك؛ ليدبر شئونها ويصلح ما فسد من أمورها، فقال الوزير: إنه من الحكمة التي تصفني بها أن أبتعد بطهري وعفتي عن شئون الملك؛ لئلا يعتريها الرجس، ويشوهها الكدر.
خدمة السلطان
لا تخضعن لمخلوق على طمع
فإن ذلك وهن منك في الدين
واسترزق الله مما في خزائنه
فإن ذلك بين الكاف والنون
Page inconnue