والعمل الثاني هو إعادة الاسترقاق في المستعمرات، ولست أرى في هذا لوما على بونابرت؛ لأننا ونحن في هذا الجيل نرى من الأمم الحرة المتمدينة فظائع أشد من استرقاق العبيد في أواسط أفريقيا. إننا نرى أمما وشعوبا بأسرها في أشد أنواع العبودية، بل إن أهل الولايات المتحدة يقتلون اليوم العبيد رميا بالرصاص وصلبا وشنقا بدون محاكمة، ولو استطاعوا هلاكهم عن آخرهم في طرفة عين ما تأخروا، وقد استعبد الصينيون في جنوب أفريقيا منذ خمس سنين، حيث كانوا يعملون كالأنعام في المناجم التي تخرج الذهب. وزد على هذا كله أن بونابرت كان في جيل لم يفطن أهله إلى ما يفطن إليه أهل هذا الجيل، فهو في الأمرين معذور وليس عليه لوم كثير، ولو كان ملوما فقد أصلح بأعمال كثيرة بعد ذلك هذين الخطأين كسن القوانين وتأسيس مدرسة باريس الجامعة وبنك فرنسا وغيرها. بل كل أعماله كانت موجهة نحو الخير المحض.
قلت في أثناء هذا الكلام أن بونابرت قام بعملين للوصول إلى العرش: الأول أنه جعل ذاته منقذا لفرنسا بعد أن صير وجوده حيويا لها، وأسهبت في ذلك، والعمل الثاني قام به بعد أن وصل إلى العرش وأراد استبقاءه، فإنه أقام على أوروبا حربا عوانا بدعوى نشر مبادئ الثورة الفرنسوية، وما زال ينتصر على أوروبا حتى هبط طالع سعده وهوى نجمه فوقع غدرا في قبضة ألد أعدائه.
ولكن أردت بذكر هذين العملين أن أثبت ما ذكرته في أول هذه المقدمة من أن بونابرت هو الذي خلق الظروف التي أرادها، وأحاط نفسه بجو يقتضي ارتقاءه إلى العرش.
على أنني أود من صميم فؤادي أن أصدق أن بونابرت أراد بحروبه أن ينشر مبادئ الثورة الفرنسوية لولا أمران؛ الأول أنه أقر في مذكراته (وقد نقلت بعضها) من أنه رأى أنه لا يحفظ القوة إلا القوة، وثانيا أن مبادئ الثورة التي ادعى التفاني في نشرها خارج بلاده قد قضى عليها في وطنه، وهذا من غرائب المتناقضات في أقوال وأفعال العظماء. •••
إن سيئات بونابرت كثيرة؛ فمنها: (1)
قلبه نظام الحكومة في فرنسا ثلاث مرات ليصل إلى العرش. (2)
بعض المظالم التي اقترفها متسرعا، كقتل الأشراف ونفي أصدقائه ورفقاء صباه. (3)
تضييقه على الحرية الاجتماعية والسياسية، بحيث لم يكن في فرنسا لعهده إلا جريدة واحدة، وهي جريدة المونيتور، وهي الجريدة الرسمية. (4)
إقامته حروبا شعواء على أوروبا أهلك فيها ألوف الألوف من جنود فرنسا وجنود الأمم الأخرى. (5)
تطليق جوزفين طمعا في زواجه بابنة إمبراطور النمسا.
Page inconnue